ليس بخارج منها) * (1).
والظاهر أن المراد بالبينة في المقام هو هذا المعنى الأخير العام بقرينة قوله بعد:
* (أولئك يؤمنون به) * وإن كان المراد به بحسب المورد هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن الكلام مسوق ليتفرع عليه قوله: * (فلا تك في مرية منه) * فالمراد بها البصيرة الإلهية التي أوتيها النبي (عليه السلام) لا نفس القرآن النازل عليه، فإنه لا يحسن ظاهرا أن يتفرع عليه قوله: * (فلا تك في مرية منه) * وهو ظاهر، ولا ينافيه كون القرآن في نفسه بينة من الله من جهة كونه آية منه تعالى كما في قوله:
* (قل إني على بينة من ربي وكذبتم به) * (2)، فإن المقام غير المقام.
وبما مر يظهر أن قول من يقول: إن المراد ب * (من كان...) * إلخ، النبي خاصة إرادة استعمالية ليس في محله، وإنما هو مراد بحسب انطباق المورد. وكذا قول من قال:
إن المراد به المؤمنون من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا دليل على التخصيص.
ويظهر أيضا فساد القول بأن المراد بالبينة هو القرآن، وكذا القول بأنها حجة العقل وأضيفت إلى الرب تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والنقلية.
ووجه فساده أنه لا دليل على التخصيص، ولا تقاس البينة القائمة للنبي (عليه السلام) من ناحيته تعالى بالتعريف الإلهي القائم لنا من ناحية العقول.
وقوله تعالى: * (ويتلوه شاهد منه) * المراد بالشهادة تأدية الشهادة التي تفيد صحة الأمر المشهود له، دون تحملها، فإن المقام مقام تثبيت حقية القرآن، وهو إنما يناسب الشهادة بمعنى التأدية لا بمعنى التحمل.
والظاهر أن المراد بهذا الشاهد بعض من أيقن بحقية القرآن وكان على بصيرة إلهية من أمره فآمن به عن بصيرته وشهد بأنه حق منزل من عند الله تعالى كما يشهد بالتوحيد والرسالة، فإن شهادة الموقن البصير على أمر تدفع عن الإنسان مرية الاستيحاش وريب التفرد، فإن الإنسان إذا أذعن بأمر وتفرد فيه ربما أوحشه التفرد فيه إذا لم يؤيده أحد في القول به، أما إذا قال به غيره من الناس وأيد نظره في ذلك زالت عنه الوحشة وقوي قلبه وارتبط جأشه، وقد احتج تعالى بما يماثل هذا المعنى في قوله: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) * (3).
وعلى هذا فقوله: " يتلوه " من التلو لا من التلاوة، والضمير فيه راجع إلى " من " أو إلى " بينة " باعتبار أنه نور أو دليل، ومآل الوجهين واحد، فإن الشاهد الذي يلي صاحب البينة يلي بينته كما يلي نفسه، والضمير في قوله: " منه " راجع إلى " من " دون قوله: " ربه "، وعدم رجوعه إلى البينة ظاهر، ومحصل المعنى: من كان على بصيرة إلهية من أمر ولحق به من هو من نفسه فشهد على صحة أمره واستقامته.