بالله وتكذيبهم لنبيه وعتوهم، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا له، فكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص مكائيلهم وموازينهم، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك: ما تقول فيما صنعت؟ أراض أم أنت ساخط؟ فقال شعيب: أوحى الله تعالى إلي أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له: ملك فاجر، فكذبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته، قال الله تعالى حكاية عنهم: * (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا) * فزادهم شعيب في الوعظ، فقالوا: * (يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * فآذوه بالنفي من بلادهم، فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم، فلبثوا فيه تسعة أيام، وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه، فانطلقوا إلى غيضة (1) لهم وهو قوله تعالى: * (وأصحاب الأيكة) * فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج منهم أحد، وذلك قوله تعالى: * (فأخذهم عذاب يوم الظلة) * وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ذكر عنده شعيب قال: ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة، فلما أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا.
والرواية الصحيحة أن شعيبا (عليه السلام) صار منها إلى مدين فأقام بها، وبها لقيه موسى بن عمران صلوات الله عليهما (2).
- ابن عباس: إن الله تعالى بعث شعيبا إلى قومه وكان لهم ملك فأصابه منهم بلاء، فلما رأى الملك أن القوم قد خصبوا أرسل إلى عماله فحبسوا على الناس الطعام، وأغلوا أسعارهم، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم، وبخسوا الناس أشياءهم، وعتوا عن أمر ربهم، فكانوا مفسدين في الأرض.
فلما رأى ذلك شعيب صلوات الله عليه قال لهم:
* (لا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) * فأرسل الملك إليه بالإنكار، فقال شعيب: إني منهي في كتاب الله تعالى والوحي الذي أوحى الله إلي به أن الملك إذا كان بمنزلتك التي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته، فلما سمع الملك ذلك أخرجه من القرية، فأرسل الله إليهم سحابة فأظلتهم، فأرسل عليهم في بيوتهم السموم، وفي طريقهم الشمس الحارة وفي القرية، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السحابة التي قد أظلتهم من أسفلها، فانطلقوا سريعا كلهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكيال والميزان ولا يبخسون الناس أشياءهم، فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة، ثم أرسل على أهل القرية من تلك السحابة عذابا ونارا فأهلكتهم، وعاش شعيب صلوات الله عليه مائتين واثنين وأربعين سنة (3).
- شداد بن أوس: بكى شعيب من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله إليه بصره وأوحى الله إليه: يا شعيب! ما هذا البكاء؟ أشوقا إلى الجنة أو فرقا من النار؟ قال: إلهي وسيدي! أنت تعلم ما أبكي شوقا إلى جنتك ولا فرقا من النار،