وقال تعالى: * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها...) * الآية (1) وقال تعالى: * (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين...) * الآيات (2)، فإن الآيات - كما ترى - تشهد بأن سنة الله في بقاء هذا النسل أن يتسبب إليه بالنطفة، لكنه أظهره حينما أظهره بخلقه من تراب، وأن آدم خلق من تراب وأن الناس بنوه، فظهور الآيات في انتهاء هذا النسل إلى آدم وزوجته مما لا ريب فيه وإن لم تمتنع من التأويل.
وربما قيل: إن المراد بآدم في آيات الخلقة والسجدة آدم النوعي دون الشخصي، كأن مطلق الإنسان - من حيث انتهاء خلقه إلى الأرض، ومن حيث قيامه بأمر النسل والإيلاد - سمي بآدم، وربما استظهر ذلك من قوله تعالى: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * (3) فإنه لا يخلو عن إشعار بأن الملائكة إنما أمروا بالسجدة لمن هيأه الله لها بالخلق والتصوير، وقد ذكرت الآية أنه جميع الأفراد لا شخص إنساني واحد معين، حيث قال: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) * وهكذا قوله تعالى: * (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي - إلى أن قال: - قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - إلى أن قال: - قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) * (4) حيث أبدل ما ذكره مفردا أولا من الجمع ثانيا.
ويرده - مضافا إلى كونه على خلاف ظاهر ما نقلناه من الآيات - ظاهر قوله تعالى - بعد سرد قصة آدم وسجدة الملائكة وإباء إبليس - في سورة الأعراف: * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما) * (5) فظهور الآية في شخصية آدم مما لا ينبغي أن يرتاب فيه.
وكذا قوله تعالى: * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) * (6) وكذا الآية المبحوث عنها: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم أن نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء...) * الآية بالتقريب الذي مر بيانه.
فالآيات - كما ترى - تأبى أن يسمى الإنسان آدم باعتبار وابن آدم باعتبار آخر، وكذا تأبى أن تنسب الخلقة إلى التراب باعتبار وإلى النطفة باعتبار آخر، وخاصة في مثل قوله تعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون...) * الآية، وإلا لم يستقم استدلال الآية على كون خلقة عيسى