ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط * الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) * (1) والآيات كما ترى تنسب الهداية إلى القرآن وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عين أنها ترجعها إلى الله سبحانه، فهو الهادي حقيقة وغيره سبب ظاهري مسخر لإحياء أمر الهداية.
وقد قيد تعالى قوله: * (يهدي به الله) * بقوله:
* (من اتبع رضوانه) * ويؤول إلى اشتراط فعلية الهداية الإلهية باتباع رضوانه، فالمراد بالهداية هو الإيصال إلى المطلوب، وهو أن يورده الله تعالى سبيلا من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحدا بعد آخر.
وقد أطلق تعالى السلام، فهو السلامة والتخلص من كل شقاء يختل به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة، فيوافق ما وصف القرآن الإسلام لله والإيمان والتقوى بالفلاح والفوز والأمن ونحو ذلك، وقد تقدم في الكلام على قوله تعالى:
* (اهدنا الصراط المستقيم) * (2) في الجزء الأول من الكتاب أن الله سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سبلا كثيرة تتحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى يسميه في كلامه بالصراط المستقيم قال تعالى: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) * (3)، وقال تعالى: * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) * (4) فدل على أن له سبلا كثيرة، لكن الجميع تتحد في الإيصال إلى كرامته تعالى من غير أن تفرق سالكيها ويبين كل سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى من السبل.
فمعنى الآية - والله العالم -: يهدي الله سبحانه ويورد بسبب كتابه أو بسبب نبيه من اتبع رضاه سبلا من شأنها أنه يسلم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا والآخرة، وكل ما تتكدر به العيشة السعيدة.
فأمر الهداية إلى السلام والسعادة يدور مدار اتباع رضوان الله، وقد قال تعالى:
* (ولا يرضى لعباده الكفر) * (5)، وقال: * (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (6) ويتوقف بالأخرة على اجتناب سبيل الظلم والانخراط في سلك الظالمين، وقد نفى الله سبحانه عنهم هدايته وآيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهية بقوله:
* (والله لا يهدي القوم الظالمين) * (7) فالآية - أعني قوله: * (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) * تجري بوجه مجرى قوله: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * (8) (9).