ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله عز ذكره إليه: يا إبراهيم! إن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف:
عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه، وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني، وعبدا عبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني (1).
التفسير:
قوله تعالى: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض...) * إلخ، ظاهر السياق أن تكون الإشارة بقوله: " كذلك " إلى ما تضمنته الآية السابقة: * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك...) * إلخ، أنه (عليه السلام) اري الحق في ذلك، فالمعنى: على هذا المثال من الإراءة نري إبراهيم ملك السماوات والأرض.
وبمعونة هذه الإشارة ودلالة قوله في الآية التالية: * (فلما جن عليه الليل) * الدالة على ارتباط ما بعده بما قبله، يظهر أن قوله: " نري " لحكاية الحال الماضية كقوله تعالى: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) * (2).
فالمعنى: أنا أرينا إبراهيم ملكوت السماوات والأرض فبعثه ذلك أن حاج أباه وقومه في أمر الأصنام وكشف له ضلالهم، وكنا نمده بهذه العناية والموهبة وهي إراءة الملكوت، وكان على هذه الحال حتى جن عليه الليل ورأي كوكبا.
وبذلك يظهر أن ما يتراءى من بعضهم: أن قوله: * (وكذلك نري...) * إلخ، كالمعترضة لا يرتبط بما قبله ولا بما بعده، وكذا قول بعضهم:
إن إراءة الملكوت أول ما ظهر من أمرها في إبراهيم (عليه السلام) أنه لما جن عليه الليل رآى كوكبا...
إلخ، فاسد لا ينبغي أن يصار إليه.
وأما ملكوت السماوات والأرض فالملكوت هو الملك مصدر كالطاغوت والجبروت، وإن كان آكد من حيث المعنى بالنسبة إلى الملك كالطاغوت والجبروت بالنسبة إلى الطغيان والجبر أو الجبران.
والمعنى الذي يستعمله فيه القرآن هو المعنى اللغوي بعينه من غير تفاوت كسائر الألفاظ المستعملة في كلامه تعالى، غير أن المصداق غير المصداق، وذلك أن الملك والملكوت وهو نوع من السلطنة إنما هو فيما عندنا معنى افتراضي اعتباري بعثنا إلى اعتباره الحاجة الاجتماعية إلى نظم الأعمال والأفراد نظما يؤدي إلى الأمن والعدل والقوة الاجتماعيات، وهو في نفسه يقبل النقل والهبة والغصب والتغلب كما لا نزال نشاهد ذلك في المجتمعات الإنسانية.
وهذا المعنى على أنه وضعي اعتباري وإن أمكن تصويره في مورده تعالى من جهة أن الحكم الحق في المجتمع البشري لله سبحانه كما قال تعالى: * (إن الحكم إلا لله) * (3) وقال: * (له الحمد