وأما وجه النظر، فقد قيل فيه: إن امتناع البائع إذا كان معلقا على قبض الثمن وتسلمه من المشتري، فإذا لم يعط المشتري الثمن يصدق أنه ترك المبيع عند البائع ولم يتسلمه منه وإن كان البائع ممتنعا من تسليمه والحال هذه. ولذا يصح للبائع في هذا الحال أن يقول إن المشتري ترك الحاجة عندي ولا يأتي لأخذها مع العلم بأنه لا يسلمها إليه إلا بعد دفع الثمن.
إذن فمجرد امتناع البائع لا يمنع من نسبة الترك والابقاء إلى المشتري كي تكون نسبته إليه في الرواية ظاهرة في عدم امتناع البائع وتمكينه.
إذن، فيمكن أن يكون قوله: " ثم يدعه عنده " ناظرا إلى صورة ترك المشتري المبيع من جهة امتناع البائع من دفعه إليه بدون الثمن، فلا يكون ظاهرا في عدم الامتناع. والقرينة على تعيين ذلك قوله في النص: " حتى آتيك بثمنه "، فإنه ظاهر في أن الترك من جهة عدم إعطاء الثمن، وقد عرفت صحة نسبة الترك إلى المشتري في هذه الحال ولو كان البائع ممتنعا.
وبالجملة، لا ظهور للقول المزبور في ورود النص مورد تمكين البائع، فتدبر.
وتحقيق الكلام في هذا الفرع: أن قوله: " فإن قبض " وإن كان ظاهرا في اعتبار القبض في عدم الخيار دون التمكين - إلا إذا قيل إن التمكين قبض، فيكون التمكين محققا للشرط لكنه لا وجه له -، لكن الظاهر من النص هو إرادة القبض والاقباض المعهودين والمرتكزين في باب البيع، إذ المرتكز في باب البيع وبناؤه على شرط التسليم والتسلم، فالقبض الواقع في قوله: " ولم يقبضه صاحبه ولم يقبض الثمن " ظاهر في كونه ما هو المرتكز أخذه في باب البيع.
ومن الواضح أن المرتكز أخذه في باب البيع هو تمكين كل منهما صاحبه من المال وتسليطه عليه لا تسليمه يدا بيد ونحوه.
وعليه، فقوله: " فإن قبض بيعه " يراد به المعنى الواقع في السؤال للقبض، وقد عرفت أنه بمعنى التمكين والتسليط، فيكون النص ظاهرا في أن الشرط هو مجرد التمكين ولا يعتبر القبض بمعناه اللغوي، فانتبه.