وأخرى: يكون في مقام الفسخ بمعنى أنه التفت إلى زيادة القيمة بعد تحقق العقد لا يتصدى للفسخ لكون الفرق يسيرا يتغافل عنه.
وفي المقام الثاني يتسامح فيه بما لا يتسامح به في المقام الأول، لأن في الفسخ مؤونة زائدة بنظر العرف والعقلاء، فمثلا لو أراد شراء علبة سيكاير من شخص بستين فلسا فباعه غيره العلبة بثمانية وخمسين فلسا يعدل في شرائه إلى الثاني فلا يتسامح في الفلسين في مقام العقد.
أما لو كان قد اشترى العلبة من الأول، والتفت بعد ذلك إلى أن قيمتها السوقية ثمانية وخمسون فلسا، لا يقدم على الفسخ إذ يرى هذا الفسخ الناشئ عن مثل هذا الفرق اليسير معيبا عرفا.
إذا ظهر لك ذلك، فهل المراد بما لا يتغابن الناس بمثله، ما لا يتغابن بمثله في مقام المعاملة وعند العقد فيشمل الزيادة اليسيرة جدا في بعض المعاملات. أو يراد ما لا يتغابن بمثله في مقام الفسخ فلا يشمل الفرق اليسير في القيمة؟
لا بد من ملاحظة الأدلة في تشخيص ذلك ولا بد قبل ذلك من معرفة مدرك أصل هذا الشرط. ثم الكلام بعد ذلك في المراد منه، فنقول:
إن كان دليل خيار الغبن هو الاجماع، فقد انعقد على هذا الشرط - أعني كون التفاوت مما لا يتغابن به -، فلا خيار بدونه.
وإن كان دليل الخيار قاعدة نفي الضرر، فقد يدعى انصرافها عما يتسامح فيه من أفراد الضرر، وهو مما لا وجه له. ومثلها في الوهن دعوى أنه ليس بضرر ولا غبن، إذ هو ضرر واقعي بلا اشكال.
نعم، لو ورد حديث نفي الضرر في خصوص المقام وفرض تسامح العقلاء في المقام بالضرر اليسير أمكن دعوى الانصراف، لكن الأمر ليس كذلك.
فالعمدة هو الاقدام على مثل هذا الضرر نوعا. وقد تقدم أن القاعدة لا تشمل صورة الاقدام على الضرر.
ودعوى: إن ثبوت الاقدام النوعي لا ينفع في اثبات الاقدام الشخصي،