ومحصل وجه التقدير في أمثال العتق عن الآمر: أن أمر الآمر بإيجاد عمل محترم أو بإتلاف مال محترم غير مجاني يرجع نفعه إلى الآمر يقتضي وقوعه لو أوجده المأمور في ملك الآمر، لأنه استوفاه حقيقة بأمره، والمفروض عدم صدوره عن المأمور تبرعا، بل بالعوض المسمى لو عينه، أو المثل أو القيمة لو لم يعينه، فلا محالة يدخل هذا العمل أو المال في ملك الآمر وينتقل عنه أو يتلف في ملكه. فلو أمره بعتق عبده عنه أو بإلقاء ماله في البحر وعليه ضمانه، أو بأداء دينه من ماله أو بضمانه عنه، أو بحمل شئ له أو بحلق رأسه ونحو ذلك فباستدعائه عن المأمور يصير شبه قرض في الجميع. أو يقال بأنه لو تعلق أمره بالأعيان فكأنه اشتراها من المأمور، أو بالأعمال فكأنه استأجر عاملها، أو بأداء الدين فكأنه اقترض من المأمور، فيدخل العبد المأمور بعتقه حقيقة في ملك الآمر وينعتق عنه، وهكذا يدخل المال الذي أمر بإلقائه في البحر في ملك الآمر، ويتلف في ملكه إذا لم تكن المعاملة سفهية، كما إذا توقف النجاة من الغرق على الألقاء، وهكذا في مورد الأمر بأداء الدين فبعد دخول المال في ملكه يوفى به دينه، وكذا الحوالة على البرئ، وهكذا الأمر بحمل شئ له ونحو ذلك.
وبالجملة: كل هذه العناوين حيث إنها معاملة واقعة بين الآمر والمأمور والمأمور امتثل ما أمر به الآمر فتقع في ملك الآمر، وإذا عين له العوض فلا يستحق إلا المسمى، ولو لم يعين فيضمن له المثل أو القيمة.
ومن أحكام هذه المعاملة أنه ليس للمأمور مطالبة العوض إلا بعد الامتثال، ولا يضمن الآمر إلا بعد الاستيفاء، فصحة هذه المعاملة، لعموم ﴿تجارة عن تراض﴾ (1) تقتضي تقدير الملك، فكأن العبد يدخل في ملك الآمر وينعتق عنه.
ثم إن تقدير الملك آنا ما في مسألة العتق ليس، لأن العتق لا بد أن يقع من المالك، لأنه إذا وقع من دون أمر آمر واستدعائه يقع من مالكه ولو قصده عن غيره بعوض، فإن هذا القصد من دون أمر الغير لغو، ولا لأن العتق لا يقع من المالك