من جنس ما لصاحبه عليه، فهل يقع القصاص بينهما أم لا؟ فيه أربعة أقوال أحدها يقع القصاص بغير تراض منهما وتبرأ ذمة كل واحد منهما عن حق صاحبه، لأنه لا فائدة في بقاء الحقين، لأن أحدهما ماله على صاحبه، ثم يرده عليه.
والثاني متى رضى بذلك أحدهما برئا معا لأن من عليه دين كان له أن يقضيه من أي أمواله شاء وليس لمن له الدين أن يتخير عليه جهة القضاء، فإذا رضى أحدهما أن يقضي دينه من الذي في ذمة صاحبه لم يكن له أن يعترض عليه، فلهذا وقع القصاص.
الثالث لا يقع القصاص إلا بتراضيهما كالحوالة.
الرابع لا يقع القصاص بينهما وإن تراضيا، لأنه دين بدين، وقد نهى رسول الله عن الدين بالدين.
فأما إذا كان الحقان من جنس واحد من غير الأثمان كالثياب والحيوان لم يقع القصاص بينهما والفصل بينهما أن القصد غير الأثمان المغابنة والمكاسبة وهذا يختلف فلهذا كان لكل واحد منهما قبض ماله في ذمة صاحبه، وليس كذلك الأثمان لأنها إذا كانت من غالب نقد البلد لم يقع المغابنة فيها، فلذا وقع القصاص.
فإذا ثبت هذا نظرت، فإن كان قدر الحقين سواء وقيل يقع القصاص برئا معا فإن كان مال أحدهما أكثر وقع القصاص بقدر ما تقابلا فيه، ورجع من له الفضل بالفضل فإن كانت قيمة العبد أكثر من مال الكتابة رجع سيده عليه به، وإن كانت القيمة أقل رجع هو على سيده بالفضل.
وكل موضع قيل لا يقع القصاص بينهما، فإذا قبض أحدهما ماله في ذمة صاحبه أجزءه، ولا حاجة به أن يقبض الآخر شيئا من صاحبه، لأنه إذا قبض أحدهما برئت ذمة المقبوض منه، وكانت ذمة القابض مشغولة بدين المقبوض منه، وكان للقابض أن يقضي دينه من أين شاء من ماله فإذا كان كذلك، فلا معنى لقبض كل واحد منهما ما على الآخر، وأيهما تطوع بالإقباض، فإن القابض يقضيه [دينه] على ما يراه.
فإن امتنع كل واحد منهما من الإقباض حبس كل واحد منهما لصاحبه بما له عليه، فأيهما قضى فالحكم على ما قضى.