فإن استوفى حقه قبل المفارقة بر في يمينه، وإن فارقه قبل الاستيفاء باختياره حنث وإن فارقه ناسيا أو مكرها فعلى وجهين أصحهما عندي أنه لا يحنث.
فإن فر الذي عليه الحق لم يحنث الحالف، سواء فر باختيار الحالف أو بغير اختياره لأن الأيمان ما تعلقت بفعل من عليه الحق وإنما تعلقت بفعل الحالف، و الحالف ما فارقه.
فإن حلف لا فارقتني حتى أستوفي حقي منك، فاليمين تعلقت بفعل الغريم وحده فإن قضاه الحق قبل المفارقة بر وإن انصرف الغريم باختيار نفسه حنث الحالف، وإن انصرف الغريم مكرها أو ناسيا فهل يحنث الحالف أم لا؟ على قولين: عندنا أنه لا يحنث، وإن انصرف الحالف على أي وجه كان لم يحنث، لأن الغريم ما فارقه، و إنما فارق هو الغريم.
وإن حلف لا افترقت أنا وأنت حتى أستوفي حقي كان معناه لا فارقتني ولا فارقتك، فقد تعلقت اليمين بفعل كل واحد منهما، فإن قبض حقه قبل المفارقة بر، و أن فارق أحدهما صاحبه باختياره حنث، وإن فارقه ناسيا أو مكرها فعندنا لا يحنث و قال بعضهم يحنث.
ولو حلف لا افترقت أنا وهو ففر منه لم يحنث عندنا، وقال قوم يحنث لأن فراره منه باختيار نفسه، وكذلك لو حلف لا أفترق أنا وهو، ولا فصل بينهما، ولو حلف لا افترقنا حتى أستوفي حقي منك لم يحنث حتى يكون من كل واحد منهما فراق لصاحبه: يذهب هذا كذا، وهذا كذا، لأنه قد علق اليمين بمفارقة كل واحد منهما.
إذا حلف لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك فقد فرع على هذا ثلاث مسائل:
الأولى فلس من عليه الحق وحجر الحاكم عليه لزمه مفارقته شرعا، فكان فرارا على إكراه بحكم الشرع، فهل يحنث؟ على قولين قد مضى.
الثانية أخذ حقه معتقدا أنه نفس حقه، فبان غيره مثل أن كان حقه دنانير فبانت نحاسا، وفضة فبانت رصاصا، قال قوم يحنث، وقال قوم لا يحنث وهو الأقوى عندي.