فإن لم يجد المضطر شيئا بحال. قال قوم: له أن يقطع من بدنه المواضع الجسمة كالفخذ ونحوها فيأكله خوفا على نفسه، لأنه لا يمنع إتلاف البعض لاستبقاء الكل.
كما لو كان به آكلة أو خبيثة يقطعها، والصحيح عندنا أنه لا يفعل ذلك، لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه، وفي القطع منه خوف على نفسه، فلا يزال الخوف بالخوف، ويفارق الخبيثة لأن في قطعها قطع السراية، وليس كذلك قطع موضع من بدنه، لأن في قطعه إحداث سراية.
فأما إن وجد المضطر بولا وخمرا يشرب البول دون الخمر لأن البول لا يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا خمرا فالمنصوص لأصحابنا أنه لا سبيل لأحد إلى شربها سواء كان مضطرا إلى الأكل والشرب أو التداوي، وبه قال جماعة، وقال بعضهم إن كان الضرورة العطش حل له شربها ليدفع العطش عن نفسه، وقال بعضهم يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل تداوى العين به دون الشراب.
إذا مر الرجل بحائط غيره حل له الأكل من غير ضرورة، ولا يجوز له حمله وعند المخالف لا يجوز من غير ضرورة، وقال بعض أصحاب الحديث ينادي ثلاثا فإن أجابوه، وإلا دخل وأكل، ولم يتخذ جنبة وهذا قريب مما قلناه.
روى أبو واقد الليثي أن رجلا قال يا رسول الله إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا شأنكم بها (1).
قال سألت أبا عمرو بن العلا وأبا عبيدة فقالا: لا نعرف تحتفئوا، ثم بلغني بعد عن أبي عبيدة أنه قال: هو من الحفاء مهموز مقصور، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل فتأوله في تحتفئوا يعني ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه.