ثم ينظر فإن كان أحد الحقين من غير جنس الآخر لم يصر أحدهما قصاصا عن الآخر، بل يطالب كل واحد منهما بحقه، ويستوفيه، وإن كانا من جنس واحد، نظر فإن كان قد حل مال الكتابة فقد تساوى الحقان في الحلول وفي الجنس، فهل يصير أحدهما قصاصا عن الآخر؟ فيه أربعة أقوال:
فمن قال لا يصير قصاصا استوفى كل واحد منهما حقه من صاحبه، ومن قال يصير قصاصا إما بتراضيهما أو بغير تراضيهما أو رضا أحدهما، فإن تساوى الحقان برئت ذمة كل واحد منهما مما عليه، وإن كان الأرش أكثر من مال الكتابة برئت ذمة المكاتب من مال الكتابة وعتق، ويكون له مطالبة السيد بفاضل الأرش، وإن كان مال الكتابة أكثر برئت ذمة المكاتب من قدر الأرش، ويبقى عليه الباقي، فإن أداه وإلا للسيد تعجيزه.
وأما إذا لم يكن قد حل على المكاتب مال الكتابة فإنه لا يجبر على أن يجعل ما عليه قصاصا مما له إلا أن يختار ذلك، فيصير كما لو عجل مال الكتابة.
هذا إذا قيل ليس له المطالبة بالأرش قبل اندمال الجرح، فأما إذا قيل له ذلك فالحكم فيه كما إذا اندمل ويطالب به على ما ذكرناه في المقاصة وغيرها.
إلا أنه ينظر في الأرش، فإن كان مثل ديته أو أقل منها كان له المطالبة بجميعه وإن كان أكثر لم يكن له أن يأخذ أكثر من الدية، لأنه لما سرت الجناية إلى نفسه يعود الواجب إلى قدر الدية، فإذا أخذ المكاتب من السيد الأرش فأداه وعتق أو تقاصا وعتق، لم يخل إما أن يندمل الجناية أو تسري إلى النفس:
فإن اندملت استقر حكم ما أخذه من الأرش إلا أن يكون الأرش زائدا على قدر الدية، فيقتص منه، فيكون للمكاتب أن يرجع عليه فيطالبه بتمامه.
وإن سرت الجناية إلى نفسه فقد مات حرا وصار الواجب فيه الدية، فإن كان أخذ من السيد قدر الدية فقد استوفى حقه، وإن كان أقل وجب على السيد تمامه ويكون الفضل موروثا عن المكاتب، لأنه مات حرا: فإن كان له مناسب استحق ذلك وإن لم يكن له مناسب نقل المال إلى بيت المال، ولا يورث السيد شيئا لأنه قاتل