حجر عليه لم يخل إما أن يكون الحقوق كلها حالة أو بعضها حال وبعضها مؤجل.
فإن كان جميعها حالا فله أن يقدم ما شاء منها لأنه مطلق التصرف، فكان له أن يفعل ما شاء، وإن كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا، كأرش الجناية لا يكون إلا حالا، ومال الكتابة قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا، وكذلك ثمن المبيع فإن بدء بقضاء الدين الحال جاز ويبقى عليه المؤجل.
فإن أراد تعجيل المؤجل نظر فإن أراد تعجيل دين الأجنبي لم يكن له ذلك لأن تعجيل الدين المؤجل يجري مجرى الزيادة فيه، فهو كالهبة فليس يملك الهبة من الأجنبي، وإن أراد تعجيل مال الكتابة فهذا هبة من سيده، فيكون كالهبة بإذنه فعندنا يصح، وقال بعضهم لا يصح.
وأما إذا كان قد حجر على المكاتب، فإن كان المال الذي في يده يعجز عن ديونه فاجتمع غرماؤه وسألوا الحاكم الحجر عليه، فإن تصرفه ينقطع بذلك، ويكون الأمر إلى الحاكم ويقسط ماله على ما قدر عليه من الحقوق، فيدفع إلى كل واحد بقسط ما تضمنه.
هذا إذا رضوا فإن تشاحوا قال بعضهم يقدم صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد، لأن حقه يختص بالمال الذي في يده، فإذا لم يدفع إليه حقه منه لم يرجع منه إلى شئ آخر، والسيد والمجني عليه يرجعان من حقهما إلى الرقبة.
فإذا دفع إلى صاحب الدين حقه نظر، فإن بقي معه شئ دفع إلى المجني عليه وقدم على السيد، لأنه يأخذ دينه بحق الجناية، والسيد يأخذ حقه بالملك، و حق الجناية مقدم على حق الملك، فإذا قضى حق المجني عليه ثم بقي شئ دفعه إلى السيد، فإن لم يبق شئ كان له تعجيزه واسترقاقه.
فأما إذا لم يبق مع الكتابة بعد قضاء الدين شئ، فلكل واحد من السيد والمجني عليه تعجيزه، لأن حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة، وقد تعذر ذلك.