وأنا أقول: يمكن دفعه بوجهين:
الأول: أن يقال إن المراد بالعرف هو العرف العام، ولا يضر عدم مدخلية العرف في الأمور التوقيفية، فإن عدم مدخليته إنما هو في أصل وضعها وحقائقها، وكلامنا ليس في ذلك، بل في صدق الخروج عنه والبقاء فيه من حيث إنه فعل من الأفعال، لا من حيث إنه هذا الفعل، يعني بعد اطلاع أهل العرف على هذا المعنى الشرعي وتميزه عن غيره من المعاني يقدر على أن يحكم أن فاعله داخل فيه أو خارج عنه، فالحقيقة وإن كانت شرعية; لكن الاشتغال بها والخروج عنها أمر عرفي.
فلنفرض الكلام في عمل النقاش أو المدرس مثلا، فإن أهل العرف العام لا اطلاع لهم على حقيقة النقش والتدريس، ولكن يقدرون أن يفهموا متى يشتغل النقاش بالنقش والمدرس بالتدريس ومتى يصير خارجا عنه، فبمجرد شرب الماء بينهما أو حك البدن أو شرب التتن ونحو ذلك لا يحكمون بالخروج، ولكن بطي الكتاب والخروج عن المدرس وبجمع آلات النقش وأدواته في المحبرة والقيام عن مقامه يحكمون بكونه خارجا، وهذا واضح المتأمل.
والثاني: أن يقال المراد بالعرف عرف المتشرعة، فما يحكم المتشرعة بأنه ينافي الصلاة من جهة الكثرة ويفسدها فهو باطل، ومنه يعلم بطلانها شرعا، لأنهم ينسبون عرفهم إلى الشارع.
وحينئذ فالموارد الواضحة في حكم الخروج وعدمه وكونها محكوما بفسادها وعدمه حكمها واضح من حيث الصحة والبطلان، وأما الموارد المشكوكة فتبنى على الصحة، لأصالة عدم الخروج، وعدم مدخلية انتفاء ذلك الفعل في الصحة.
والمناسب لكلام الفقهاء والمستفاد من ظاهر عباراتهم هو الأول، فإنهم عبروا عن المطلوب بكونه مخرجا عن الصلاة، وعن كونه مصليا وعدمه، لا بكون الصلاة الكذائية صحيحة أو فاسدة.
وحاصل المقام: أن الأفعال الواقعة الخارجة عن الصلاة المبطلة لها بعضها