نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٤٣٢
ذلك أن يكون عدم الضد أولى بالمقدمية من عدم سببه لما عرفت من أن الضد ليس فاعل حتى يتصور كون عدم ضده مصححا لفاعليته بخلاف عدم سبب الضد لسبب ضده.
وأما تسليم كون السبب للضد مانعا (1) عن سبب ضده، وعدم كون عدمه
1 - الاشكال في مقدمية عدم المانع الاصطلاح من وجوه أحدها ان استناد عدم التأثير إلى وجود المانع فرع وجود المقتضى بشرائطه وهذا الفرض محال لان فرض وجود المقتضى للضد المعدوم مع فرض المقتضى للضد الوجود مرجعه إلى وجود المقتضى للمحال واقتضاء المحال محال ثانيها ان الشرط بمعنى موصل الأثر وهذا شأن الأمر الوجودي فلا يعقل ان يكون عدم المانع شرطا ثالثا ان الشرطية مفهوم ثبوتي وثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له والعدم لا ذات له فكيف يثبت له الشرطية والجواب عن الأول ان التضاد انما هو بين الشيئين بوجودهما الخاص بهما في نظام الوجود لا بين ثبوته العرضي بثبوت المقتضى واما كون اقتضاء المحال محالا فهو أجنبي عما نحن فيه فإنه فيما إذا كان شئ واحد مقتضيا لأمرين متنافيين لا فيما إذا كان هناك شيئين كان كل واحد منهما مقتضيا لأمر مخصوص فان سبب البياض لا يقتضى الا البياض وكذا سبب وليس هناك سبب يقتضى بذاته البياض والسواد حتى يكون مقتضيا للمحال وأما عدم اجتماع الإرادتين لضدين فليس هو من وجود مقتضى المحال بل الإرادة حيث إنها الجزء الأخير من العلة التامة للمراد ففرض وجودهما فرض وجود المرادين المتضادين بحسب وجودهما الخاص بهما في نظام الوجود والجواب عن الثاني ان موصل الأثر لا معنى محصل له الا حامل الأثر والواسطة بين ذات المؤثر وذات المتأثر في الثبوت المضاف إلى الأثر ومن البديهي ان المحاذاة لا تجمل الاهراق من النار إلى الجسم والطهارة لا تحمل الأثر من الصلاة إلى غيرها وهكذا والجواب عن الثالث أما أولا فما مر منافي بعض الحواشي المتقدمة م ان ثبوت شئ لشئ يقتضى ثبوتا مناسبا للمثبت له وأما ثانيا فبان الكلام في المقدمة وكون شئ متمما لقابلية القابل أو مصححا لفاعلية الفاعل وان كان الشرط اصطلاحا أو مفهوما يختص بالامر الوجودي كما هو ظاهر أهل فن المعقول حيث يجعلون عدم المانع من المقدمات مع اختصاص عنوان الشرط بالأمر الوجودي والكلام هنا في مجرد المقدم والتوقف.
فان قلت: مجرد نفى الاستحالة من الجهات المزبور لا يثبت امكان وجود المقتضى للضد المعدوم بجميع شرايطه فان الأمثلة التي يستدل بها للوقوع الأخص من الامكان اما من قبيل فقد المقتضى كالإرادتين من شخص واحد أو من قبيل فقد الشرط كالإرادتين من شخصين حيث إنه لا قدرة لكليهما مع التساوي لأحدهما مع الأقوائية ولابد من الحاكم بالمقدمية واستناد عدم التأثير إلى وجود المانع ليكون عدمه شرطا من احراز الامكان بإقامة البرهان.
قلت: بعد الفراغ عن وقوع كل من الضدين بسببه التام بدلا عن الاخر لا ريب في امكان كل منهما في حد ذاته فلا محالة تكون الاستحالة مختصة بصورة اجتماع المسببين ولا استحالة من حيث الاجتماع الا لأجل التقابل بين المسببين بأحد أنحاء التقابل ومن الواضح انه لا تقابل بينهما من حيث السلب والايجاب ولا من حيث العدم والملكة لأن السببين وجوديان وأثرهما وجودي فينحصر التقابل المحتمل بينهما في التضائف والتضاد ومن الواضح ان السببين ليسا دائما بذاتهما متضائفين فأي تضائف بين المادة والنار أو بين الإرادتين فيمحض في احتمال التضادي بين السببين بذاتهما وإلا فالتضاد بالعرض في فرض تأثيرهما معا مسلم ولا يجدى في الفرض ومن الواضح ان مورد التضاد بالذات بما إذا اجتمعا في موضوع واحد أو محل واحد والسببان ربما لا يكونان في مورد واحد كالإرادتين من شخصان فليس التضاد الذاتي من شان السببان حتى يحتمل استحالتهما كليا نعم إذا كان كل من السببين علة تامة بسببية لمسببه استحال اجتماع ذاتهما لعدم انفكاكه عن اجتماع المسببين واحتمال كون الأسباب دائما كك خلاف الوجدان مع أن المفروض كون الضد فاعلة تامة مركبة ولذا وقع الكلام في شرطية عدم المانع وإذا عرفت عدم استحالة وجود المقتضى الضدين بجميع شرائطهما المعتبرة في كل منهما في نفسه فاعلم أن تأثيرهما معا مع تضاد مقتضاهما يوجب المحال وهو اجتماع الضدين وحينئذ إذا كانا متساويين فلا يمكن تأثيرهما معا لما عرفت ولا تأثير أحدهما بالخصوص فان التأثير إن كان بالجهة المشتركة بين السببين لزم تأثيرهما معا وهو محال وطن كان بجهة مختصة فحيث لا جهة مختصة لزم المعلول بالعلة وإن كانا متفاوتين بالقوة والضعف فإذا أثر الأقوى لم يكن فيه محذور لوجود الخصوصية وهي القوة فلم يلزم المعلول بلا علة وأما إذا أثر الأضعف فان كان بالجهة المشتركة لزم تأثيرهما معا وان كان بجهة مختصة به فلا جهة خاصة مع أن لازمه انفكاك المعلول عن علته التامة لان الأقوى سبب تام بلا مزاحم بخلاف الأضعف فعدم تأثير الأقوى يلزم منه انفكاك عن علته التامة وبقية الكلام في المتن فتدبر جيدا (منه).