بل وصفهم بالإعراض عن اللغو دون مطلق تركه، والإعراض يقتضي أمرا بالفعل يدعو إلى الاشتغال به فيتركه الإنسان صارفا وجهه عنه إلى غيره لعدم اعتداده به واعتنائه بشأنه، ولازمه ترفع النفس عن الأعمال الخسيسة، واعتلاؤها عن الاشتغال بما ينافي الشرف والكرامة، وتعلقها بعظائم الأمور وجلائل المقاصد.
ومن حق الإيمان أن يدعو، إلى ذلك، فإن فيه تعلقا بساحة العظمة والكبرياء ومنبع العزة والمجد والبهاء والمتصف به لا يهتم إلا بحياة سعيدة أبدية خالدة، فلا يشتغل إلا بما يستعظمه الحق، ولا يستعظم ما يهتم به سفلة الناس وجهلتهم، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وإذا مروا باللغو مروا كراما.
ومن هنا يظهر أن وصفهم بالإعراض عن اللغو كناية عن علو همتهم وكرامة نفوسهم (1).