واما الجواب عنه بأن الاحراق مترتب على الالقاء بمقدار تخلل الفاء نظرا إلى أن وجود الحرقة مترتب على الملاقاة بمقدار تخلل الفاء فمندفع بان ترتب وجود الحرقة على الملاقاة من باب ترتب المشروط على شرطه، وعلى وجود النار من باب ترتب المسبب على سببه، بخلاف إحراق النار فإنه معنى تأثيرها أثرها، والتأثير ليس أثر المؤثرة كي يترتب عليه، بل التأثير والتأثر متضائفان، فالاحراق بالعرض المنسوب إلى الشخص بالأولوية، وتأثير النار وأثرها أو وجود الأثر وإن كان مشروطا، لكنه بالملاقات لا بحيثية صدورها من الشخص التي هي معنى الالقاء، فلا ترتب للاحراق، ولا لوجود الحرقة على الالقاء، لا من باب ترتب المسبب على سببه، ولا من باب ترتب المشروط، وعلى شرطه مع أن مجرد الترتيب الناشئ من التقدم والتأخر بالطبع لا يقتضى التقدم في الوجود، ولا عدم الاتحاد في الوجود، كما في تقدم الواحد على الاثنين أو تقدم الجنس والفصل على النوع، كما أن توهم استحالة جعل اللفظ علامة كجعله فانيا ومرآة، نظرا إلى امتناع لحاظين لمعنيين في أن واحد كامتناع لحاظين في لفظ واحد مدفوع بما تقدم من إمكان لحاظين في آن واحد بل الموجب للاستحالة ما سيجيئ إنشاء الله تعالى فتدبره فإنه دقيق وبه حقيق.
قوله: بل جعله وجها وعنوانا له بل بوجه نفسه كأنه الملقى الخ:
والشاهد عليه عدم صحة الحكم على اللفظ بما هو في حال الاستعمال، فيعلم منه أن النظر بالذات إلى المعنى، وأن اللفظ آلة لحاظه، ولا يعقل أن يكون آلة اللحاظ في حال كونه كذلك ملحوظا بلحاظ آخر لا آليا ولا استقلاليا، لامتناع تقوم الواحد بلحاظين، حيث إنه من قبيل اجتماع المثلين، أو لامتناع الجمع بين اللحاظين، في لحاظ واحد، للزوم تعدد الواحد ووحدة الاثنين.
والتحقيق أن الأمر في الاستحالة أوضح من ذلك، بيانه أن حقيقة الاستعمال إيجاد المعنى بالجعل والمواضعة والتنزيل، لا بالذات إذ لا يعقل أن يكون وجود واحد وجودا لماهيتين بالذات كما هو واضح، وحيث أن الموجود الخارجي