وعلى التقديرين تنتقض الطهارة الأولى " ويرد عليه أن دم الاستحاضة يوجب الغسل تارة والوضوء أخرى فايجاب الوضوء خاصة تحكم، والأظهر على هذا أن يقال إن الانقطاع للبرء يوجب ما أوجبه الدم قبل الانقطاع من الوضوء أو الغسل لا الوضوء خاصة كما قالوه وتوضيحه أن الموجب في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع لأنه ليس بحدث ودم الاستحاضة في حد ذاته حدث يوجب الغسل أو الوضوء، فمع الانقطاع للبرء بعد الطهارة سابقا يظهر حكم الحدث إذ الموجب هو خروج الدم وقد حصل بعد الطهارة فيترتب عليه حكمه، والطهارة السابقة أباحت الصلاة بالنسبة إلى ما سبق قبلها من الدم، ولا يلزم من صحة الصلاة مع الدم بعد الطهارة الأولى عدم تأثيره في الحدث، وظاهر المدارك الميل إلى ما ذكرنا حيث إنه بعد نقل قول الشيخ قال: " وقيده بعض الأصحاب بكونه انقطع للبرء أي الشفاء، وهو حسن لكن لا يخفى أن الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع، وأن دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى، فاسناد الإيجاب إلى الانقطاع والاقتصار على الوضوء خاصة لا يستقيم " انتهى. وظاهر المعتبر الميل إلى عدم بطلان الطهارة الأولى بالانقطاع فإن الانقطاع ليس بحدث. ولو قيل: النصوص مختصة بصورة الاستمرار قلنا فحينئذ اثبات كون الدم المنقطع يوجب الوضوء يحتاج إلى دليل يدل على كونه حدثا وليس هنا ما يصلح لذلك. وجوابه يعرف بما قدمناه فإن ظاهر النصوص يدل على كونه حدثا، واغتفار حدثيته بعد الطهارة وقبل الصلاة من حيث الضرورة لا يستلزم الانسحاب فيما لا ضرورة تلجئ إليه وهو حال الانقطاع للبرء. وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال، قال في الذكرى: " وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت (عليهم السلام) ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامة بناء منهم على أن حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير فإذا انقطع بقي على ما كان عليه، ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرا " انتهى.
ومرجعه إلى أن دم الاستحاضة حدث كغيره من الأحداث فيجب أن يترتب عليه.