و (ثانيا) - أن دلالتها إنما هو بالمفهوم وما ذكرناه من الأخبار بالمنطوق وهو أقوى دلالة فيجب تقديم العمل به.
وأما رؤية الدم بعد العادة فالذي دلت عليه الأخبار - كما سيأتي إن شاء الله تعالى نقلها في محلها - هو أن الدم متى تجاوز العادة وجب عليها الاستظهار بترك العبادة يومين أو ثلاثة ثم تعمل عمل المستحاضة إن استمر الدم، وحينئذ فما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أن الصفرة قبل الحيض حيض وبعده ليست بحيض ينبغي حملها على البعدية عن أيام الاستظهار لدخول أيام الاستظهار في الحيض كما عرفت، فيصدق أنه بعد الحيض أي ما حكم الشارع بكونه حيضا لا ما كان حيضا من حيث العادة. والعجب من الفاضل الخراساني في الذخيرة فإنه قال بعد أن اختار مذهب المدارك. من تخصيص دم القبلية والبعدية بالمتصف بصفات التمييز واستدل بدليله قال: وأما ما رواه الكليني والشيخ، ثم أورد رواية أبي بصير، ورواية علي بن أبي حمزة التي قدمنا نقلها عن علي بن محمد، وموثقة معاوية بن حكيم ثم قال: " فلا ينافي ما ذكرناه لأن قوله (عليه السلام): " ما كان بعد الحيض فليس من الحيض " المراد به ما إذا رأت الدم في أيام العادة وانقضت فما كان بعد ذلك بيومين ليس من الحيض، بل لا يبعد أن يقال تلك الأخبار مؤيدة لما ذكرناه في الجملة " انتهى.
أقول: وجه المدافعة في هذه الأخبار لما اختاروه إنما هو من حيث إنهم قيدوا الدم المتقدم على العادة بالاتصاف بصفات دم الحيض، وهو مؤذن بأن ما لم يتصف بصفات دم الحيض فلا يحكم بكونه حيضا، وعلى هذا فالصفرة قبل العادة ليست بحيض مع أن الأخبار المذكورة دلت على كونها حيضا وكان الواجب عليه الجواب عن ذلك، على أن في كلامهم أيضا مناقشة أخرى وهو أنهم قيدوا الدم المتأخر عن العادة بذلك أيضا، ومقتضاه أن ما لم يكن كذلك لا يحكم بكونه حيضا، والمستفاد من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف - كما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء