للرواية المذكورة، وأنت خبير بأن بحث الأصحاب عن هذه الرواية في حكم المبتدأة - في جميع ما ذكرناه ونقلناه عنهم مع أنها لم تشتمل على ذكر المبتدأة وإنما المذكور فيها المستحاضة بقول مطلق - لا يخلو من اشكال، وكلهم فهموا ذلك من الأمر بالرجوع إلى بعض نسائها حيث إنه لم يقع الأمر بالرجوع إلى النساء إلا في المبتدأة.
بقي الكلام فيما ذكروه من الرجوع إلى الأقران فإني لم أقف فيه على خبر يدل عليه، وهذا الحكم ذكره الشيخ وتبعه عليه جملة من الأصحاب، ورده في المعتبر فقال بعد نقله عنه: " ونحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت. ولو قيل كما يغلب في الظن أنها كنسائها مع اتفاقهن يغلب في الأقران، منعنا ذلك فإن ذوات القرابة بينها مشابهة في الطباع والجنسية والأصل فقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن، ولا كذا الأقران إذ لا مناسبة تقتضيه لأنا قد نرى النسب يعطي شبها ولا نرى المقارنة لها أثر فيه " انتهى. وأجاب عنه في الذكرى فقال بعد نقل ذلك عنه: " ولك أن تقول لفظ " نسائها " دال عليه فإن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة وما لابستها في السن والبلد صدق عليهن النساء، وأما المشاكلة فمع السن واتحاد البلد تحصل غالبا، وحينئذ ليس في كلام الأصحاب منع منه وإن لم يكن تصريح به، نعم الظاهر اعتبار اتحاد البلد في الجميع لأن للبلد أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة " وأورد عليه أن الملابسة المذكورة لو كانت كافية في صحة المراجعة لم يستقم اشتراط اتحاد البلد والسن بل يلزم صحة الاكتفاء بأحدهما لصدق الملابسة معه، بل لا تنحصر الملابسة في أحدهما لتكثر وجوه الملابسات وذلك يؤدي إلى ما هو منفي بالاجماع، وتوقف تمامية المشاكلة ومقارنة الطبيعة على اجتماع الأمرين لا يصلح مخصصا لعموم النص.
أقول: والتحقيق هو ما أشرنا إليه في غير موضع من أن بناء الأحكام الشرعية على هذه التخريجات العقلية والتقريبات الظنية لا يخلو من مجازفة في الأحكام الشرعية، والنص المذكور ظاهر في الأقارب خاصة إذ هو المتبادر من حاق هذا اللفظ، والتعدي عنه يحتاج إلى دليل واضح وإلا لدخل في القول على الله عز وجل بغير علم كما لا يخفى على المنصف