(الثالثة) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم المشتركين في الثوب الموجود عليه المني مع عدم تيقن اختصاصه بأحدهما بعد الاتفاق على سقوط أحكام الجنب عن كل منهما في حد ذاته من وجوب الغسل وتحريم قراءة العزائم ونحوهما من الأحكام الآتية، فيجوز لهما معا دخول المسجد دفعة وقراءة العزائم كذلك، وإنما تظهر فائدة الخلاف هنا في انعقاد الجمعة بهما وائتمام أحدهما بصاحبه، فقيل بالقطع بوجود جنب فلا يصح انعقاد الجمعة بهما لأن أحدهما جنب البتة، ولا تصح صلاة المأموم منهما لأنه نفسه أو إمامه جنب، وإليه ذهب المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس وثاني المحققين وثاني الشهيدين، ورجحه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين وقيل بسقوط هذه الجنابة عن الجميع في نظر الشارع، ومال إليه العلامة في جملة من كتبه، واختاره السيد السند في المدارك وغيرهما.
حجة الأول القطع بجنابة أحدهما البتة، وسقوط بعض أحكام الجنب إنما كان لتعذر العلم بالجنب المستلزم للمحذور وهو منتف في موضع النزاع.
وأجيب بأنه إن أريد القطع بخروج المني من أحدهما فمسلم لكن خروج المني من واحد لا بعينه لا يوجب حكما، وإن أريد القطع بكون أحدهما لا بعينه جنبا لا تصح منه الأفعال التي لا تصح من الجنب ويتعلق به أحكامه فظاهر الفساد، لأن عدم صحة أفعال واحد منهما لا بعينه وتعلق أحكام الجنب به مع أن كل واحد بعينه أفعاله صحيحة فلا يتعلق به حكم الجنب مما لا معنى له، وبالجملة القدر المسلم في اشتراط انعقاد الجمعة أن تكون صلاة كل من العدد صحيحة في الواقع وههنا كذلك، وأما ما وراء ذلك فلا، وكذا يلزم في صحة صلاة المأموم عدم علمه بفساد صلاة الإمام وقد تحقق هنا، ومن يدعي زيادة على ذلك فعليه البيان.
حجة القول الآخر - زيادة على ما علم من الجواب المذكور - التمسك بيقين الطهارة ولم يعارضه إلا الشك في الحدث وكل منهما متيقن الطهارة شاك في الحدث.