"... فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل... " وفي صحيحة معاوية بن عمار (1) "... فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر، إلى قوله:
وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء... " إلى غير ذلك من الأخبار.
أقول: هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة، والظاهر عندي هو القول الثاني لدلالة جملة هذه الأخبار عليه، وجمهور أصحابنا (رضي الله عنهم) لم يوردوا في مقام الاستدلال للقول الثاني إلا اليسير منها، وقد اختلف كلامهم في الجواب عنها:
فأما الشيخ (رحمه الله) في التهذيب فإنه بعد أن ذكر موثقة عمار ورواية حماد ابن عثمان ومحمد بن عبد الرحمان الهمداني حملها على ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة، ولا يخفى بعده إذ لا قرينة ولا إشارة في شئ من الأخبار المذكورة تدل على ذلك وأما الشهيد في الذكرى فإنه لم يورد إلا مكاتبة الهمداني ومرسلة حماد بن عثمان ثم قال: " وهي دليل المرتضى (رضي الله عنه) وابن الجنيد على اجزاء الغسل فرضه ونفله عن الوضوء، إلى أن قال بعد كلام في البين: والحق أن الترجيح بالشهرة بين الأصحاب وكاد يكون اجماعا. والروايات معارضة بمثلها وبما هو أصح اسنادا منها " ولا يخفى ما فيه فإن الترجيح بالشهرة في الفتوى لم يدل عليه دليل وإنما الشهرة الموجبة للترجيح بين الأخبار هي الشهرة في الرواية كما اشتملت عليه مقبولة عمر بن حنظلة (2) وغيرها، وهو ثابت في جانب روايات القول الثاني. وما ذكره من أن الروايات متعارضة فهو كذلك لكن الترجيح في جانب روايات القول الثاني لكثرتها واستفاضتها وضعف ما يقابلها سندا ودلالة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى، وليس الدليل منحصرا في هاتين الروايتين المذكورتين في كلامه كما يوهمه ظاهر كلامه.