المعرف باللام في أمثال هذه المواضع العموم، إذ لا يجوز أن يكون للعهد لعدم تقدم معهود ولا للعهد الذهني إذ لا فائدة فيه فتعين أن يكون للاستغراق، ويؤيده التعليل المستفاد من قوله: " وأي وضوء أطهر من الغسل؟ " فإنه ظاهر في العموم، إذ لا خصوصية لغسل الجنابة بذلك، ولوروده في غسل الجمعة في مرسلة حماد بن عثمان المتقدمة، وكذا في صحيحة حكم بن حكيم وإن كان أصل السؤال فيها عن غسل الجنابة إلا أنه قد تقرر أن خصوص السؤال لا يخصص عموم الجواب. وما ربما يقال - إن غسل الجنابة هو الشائع المتكرر فيكون في قوة المعهود فينصرف الاطلاق إليه - ممنوع فإن غسل الحيض والاستحاضة لا يقصران في التكرار والشيوع عنه فالحمل عليه بعد ما عرفت تحكم محض، على أن الحق في ذلك أن يقال إن ما أوردناه من الروايات في الاستدلال للقول المذكور ما بين مفصل ومجمل فيحمل مجملها على مفصلها.
وأما العلامة في المنتهى فإنه ذكر أكثر الروايات المتقدمة ثم أجاب عن صحيحة محمد بن مسلم بأن اللام لا تدل على الاستغراق فلا احتجاج فيه فيصدق بصدق أحد أجزائه وقد ثبت هذا الحكم لبعض الأغسال فيبقى الباقي على الأصل، وأيضا تحمل الألف واللام على العهد جمعا بين الأدلة، ثم أجاب عن الروايات الباقية بضعف السند، ثم احتمل ما أجاب به الشيخ (رحمه الله) مما قدمناه ذكره، ثم قال: " ويمكن أن يقال في الجواب عن الأحاديث كلها أنها تدل على كمالية الأغسال والاكتفاء بها فيما شرعت له ونحن نقول به، والوضوء لا نوجبه في غسل الحيض والجمعة مثلا ليكمل الغسل عنهما وإنما نوجب الوضوء للصلاة، فعند غسل الحيض يرتفع حدث الحيض وتبقى المرأة كغيرها من المكلفين إذا أرادت الصلاة يجب عليها الوضوء، وكذا باقي الأغسال " انتهى.
أقول: أما ما أجاب به عن صحيحة محمد بن مسلم فقد تقدم الكلام فيه. وأما طعنه في الأخبار الباقية بضعف السند فهو ضعيف عندنا غير معمول عليه ولا معتمد، على أنه متى ألجأته الحاجة إلى الاستدلال بأمثالها من الأخبار الضعيفة باصطلاحه استدل