أيضا؟ بقي الكلام في أنه بناء على هذا التقدير وإن كان هذا الدليل بحسب الظاهر لا يخلو من متانة وقرب، إلا أن لقائل أن يقول إن ما ذكروه من انقهار الحدث الأصغر تحت الجنابة وأنه لا تأثير له معها إنما استنبطوه من الأخبار الدالة على تحريم الوضوء مع غسل الجنابة وأنه معه بدعة، إذ ليس ثمة دليل غير ذلك، ومن المحتمل قريبا حمل الأخبار المذكورة على ما هو الشائع المتكرر المتكثر من وقوع الحدث قبل الغسل دون هذا الفرد النادر الذي لا يتبادر إليه الذهن عند الاطلاق، لما قرروه في غير مقام من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تحمل على ما هو المعهود المتكرر الشائع الذي ينساق إليه الذهن عند الاطلاق دون الفروض النادرة القليلة الدوران، وبهذا يضعف القول المذكور.
وأما القول الثالث فاحتج عليه المحقق في المعتبر بأن الحدث الأصغر يوجب الوضوء وليس موجبا للغسل ولا لبعضه، فيسقط وجوب الإعادة ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل، ثم ألزم القائلين بسقوط الوضوء أنه يلزم لو بقي من الغسل قدر الدرهم من جانبه الأيسر ثم تغوط أن يكتفي عن وضوئه بغسل موضع الدرهم، وهو باطل أقول: فيه (أولا) - منع ما ذكره من أن الحدث الأصغر يوجب الوضوء، فإنه على اطلاقه ممنوع بل القدر المعلوم هو ايجابه ما لم يجامع الجنابة وأما مع مجامعتها فإنه يندرج تحتها كما تقدم ذكره. و (ثانيا) - منع قوله: ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل للالزام الذي ذكره، بل هو ساقط بما بقي لانقهار الحدث الأصغر تحت الأكبر ما دام باقيا. وأما الالزام الذي ذكره فقد عرفت ما فيه.
واستدل في المدارك لهذا القول حيث اختاره فقال: " أما وجوب الاتمام فلأن الحدث الأصغر ليس موجبا للغسل ولا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الإعادة، وأما وجوب الوضوء فلأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع وهو أما الغسل بتمامه أو الوضوء والأول منتف لتقدم بعضه فتعين الثاني " وفيه ما عرفت من تقرير دليل القول الثاني من أن الحدث الأصغر لا أثر له مع الجنابة. وبالجملة فإن هذا القول بالنظر إلى تقرير الدليل