وأما المحقق في المعتبر فإنه بعد نقل القولين قال: " لنا إن كل واحد من الحدثين لو انفرد لأوجب حكمه ولا منافاة فيجب حكمهما لكن ترك العمل بذلك في غسل الجنابة فيبقى معمولا به هنا، ويؤكد ذلك رواية ابن أبي عمير، ثم أورد روايتيه المتقدمتين، ثم قال: فإن احتج المرتضى (رضي الله عنه) بما رواه محمد بن مسلم، ثم أورد الرواية الأولى، ثم قال عاطفا عليها: وما روى من عدة طرق عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " الوضوء بعد الغسل بدعة " (1) فجوابه أن خبرنا يتضمن والعمل بالمفصل أولى " انتهى.
أقول: أما ما أورده أولا - من الدليل العقلي الذي هو بزعمهم أقوى من الدليل النقلي حتى أنه إنما جعل الدليل النقلي مؤيدا - ففيه (أولا) - أن الأحكام الشرعية توقيفية ليس للعقول فيها مسرح كما حققناه في مقدمات الكتاب، بل المرجع فيها إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة. و (ثانيا) - أنه من الجائز الممكن أنه وإن كان كل من الحدثين لو أنفرد لأوجب حكمه إلا أنه بالاجتماع يندرج الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة، وكما خرجت الجنابة بالدليل - كما اعترف به - كذلك غيرها بالأدلة التي قدمناها غاية الأمر أن الجنابة قد أجمعوا عليها وهذه محل خلاف بينهم، ولكن بالنظر إلى الأدلة الشرعية والأخبار المعصومية التي هي المعتمد وعليها المدار فالاندراج حاصل والاكتفاء بالغسل ثابت.
وأما ما أجاب به عن احتجاج المرتضى (رضي الله عنه) ففيه (أولا) - أن دليل المرتضى غير منحصر فيما نقله، فلو تم له ما ذكره في هذين الخبرين فإنه لا يتم في غيرهما من الأخبار المتقدمة المشتملة على بعض من الأغسال المعينة، مثل مكاتبة الهمداني ومرسلة حماد بن عثمان وموثقة عمار وروايات الحائض والمستحاضة.
و (ثانيا) - أن الظاهر - كما حققه جملة من متأخري المتأخرين - أن المراد من المفرد