ولا ينافي ذلك، الأحاديث الدالة على الإيجاب مع قيد الشهوة، لأن دليل الخطاب ضعيف وبالخصوص مع المنطوق الدال على الخلاف. ولأنه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الإغماء، ولأنه مني (1) نجس خارج من إحدى السبيلين فلا يعتبر في إيجابه الشهوة كالحيض.
احتج أبو حنيفة (2) بما روي عن أم سليم أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل؟ فقال: (أتجد لذة بذلك؟) فقالت: نعم، قال: (فلتغتسل) علق الاغتسال باللذة، ولأنه ليس بمني بل يشبهه، لأن المني هو الماء الذي تدفعه الشهوة، فإذا انعدمت الشهوة لا يكون منيا بل أشبه البول، فيجب منه الوضوء.
والجواب عن الأول بأن تعليق الحكم على وجدان اللذة لا يدل على نفيه عما عداه، إذ ذلك دليل الخطاب لا يعمل به المحققون، على أن السؤال ها هنا ليس لتعليق الحكم عليه واعتبار اللذة، بل هو استعلام بما يشتبه حاله، لا ما يتيقن أنه مني، على أن الشهوة لا تعتبر في النوم اتفاقا.
وعن الثاني: أن الاسم معلق على الحقيقة المعينة لا باعتبار مقارنة الشهوة أو عدمها كما في حق النائم والمغمى عليه وغيرهما. والعجب أن أبا حنيفة يذهب إلى أن الزيادة على النص نسخ (3). فتقييد الماء بالشهوة زيادة لم يتناولها النص، مستفادة من مفهوم قوله عليه السلام (أتجد لذة) مع أن المفهوم اختلفوا في أنه هل هو حجة أم لا؟ وعلى القول بأنه حجة، اختلفوا في أنه هل يجوز التخصيص به أم لا؟ فكيف جوز النسخ به؟!.
برهان آخر: خروج المني موجب للغسل مطلقا، عملا بالدوران في طرفي الوجود والعدم، أما في الوجود ففي حال الإنزال مع الإغماء والنوم، وأما عدما فظاهر، والدوران يقتضي العلية، لأن مدارا ما من المدارات على ما ذكرنا من التفسير علة للدائر قطعا، فنقول: لو ثبت عدم علية غير هذا المدار من المدارات منضما إلى علية مدار ما،