وحيث إن المفروض فيها، أنهم رسل مبشرون ومنذرون، ولا بشارة ولا إنذار إلا بعد الوصول إلى المكلفين، تكون الآية أيضا من هذه الجهة، صالحة للاستدلال، من غير الحاجة إلى أخذ الرسالة كناية، كما أخذوها كناية عنها (1) في ذيل قوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * (2).
وحيث إن البحث، حول تمامية الحجة في الشبهات الوجوبية والتحريمية وعدمها، ويظهر من الآية الكريمة الشريفة عدم تمامية الحجة لله على الناس إلا بعد الرسل المبشرين والمنذرين، فتكون شاهدة على عدم تمامية حكم العقل بالاحتياط كما يأتي، بتوهم أن دفع الضرر المحتمل واجب (3).
وحيث إن هذه الآية موضوعها * (للناس) * وهو العموم الأفرادي إما وضعا، أو لتمامية مقدمات الإطلاق، فلا قصور في شمولها لجميع المكلفين في سائر العصور وفي عصرنا، بخلاف قوله تعالى: * (وما كنا معذبين) * فإنه كان يحتاج إلى التقريب الذي عرفت فساده.
نعم، لا يستفاد من هذه الآية انتفاء الاستحقاق، ولكنه غير منظور، ضرورة أن النظر إلى تمامية الحجة الباطنية أو الظاهرية، ولك أن تكشف بها انتفاء الاستحقاق عند انتفاء الحجة، وإلا فلو كان مستحقا بدونها، لما كان وجه لكون الناس ذوي حجة عليه تعالى، فكان الأمر دائرا بين كون العباد ذوي حجة، أو خالقهم، وأن الله له الحجة بعد الرسل، والعباد لهم الحجة قبل تلك الرسل.