في الأخبار المذكورة عليه لا اشكال فيه، وأما ما لم يقم فيه دليل فيجب ابقاء الأمر فيه على حقيقته من الوجوب. إلا أنك قد عرفت أن جملة من القائلين بوجوب تقديم الإزالة لا يقولون به قبل الغسل وإنما يوجبونه تدريجا، وعلى تقديره لا يمكن حمل الأوامر المذكورة في الأخبار على الوجوب، مع أنه من المحتمل قريبا أن الأمر بتقديم الإزالة في الأخبار المشار إليها وعدم الاكتفاء بماء الغسل إنما هو من حيث خصوص نجاسة المني الذي هو مورد تلك الأخبار ولا سيما بعد يبسه، فإنه يحتاج إلى مزيد كلفة وذلك لثخانته ولزوجته، فلذا وقع الأمر بالإزالة أولا، واحتمال غيره من النجاسات بعيد عن سياق الأخبار المشار إليها.
وربما يستدل لهم أيضا بصحيحة حكم بن حكيم (1) حيث قال (عليه السلام) في آخرها بعد ذكر الغسل: " فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك " فإنه ظاهر في عدم الاكتفاء بماء الغسل لإزالة النجاسة الخبثية بل لا بد من ماء آخر لإزالتها. ويمكن تطرق القدح إلى ذلك بأنه لا ظهور له في تقديم إزالة النجاسة بل غايته الدلالة على وجوب غسل آخر، ومن المحتمل أن يكون ذلك بعد تمام الغسل، لعدم زوال النجاسة بماء الغسل وإن ارتفع به الحديث كما هو المفهوم من كلام الشيخ (رحمه الله) الآتي ذكره، وإذا تطرق الاحتمال لم يتم الاستدلال بها.
وقال في المبسوط: " وإن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل، وإن خالف واغتسل أولا ارتفع حدث الجنابة وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأ عن غسلها " انتهى. وهو - كما ترى - يدل على أحكام ثلاثة: (أحدها) - أن طهارة المحل ليست شرطا في الغسل كما ادعاه المتأخرون.
و (ثانيها) - أن الغسل الواحد يجزئ لرفع الحدث والخبث معا، خلافا لما ذكروه أيضا