إنما هو اجراء الغسل على محل طاهر وهو يحصل بالتدريج. ويمكن أن يكون مخرج الأخبار - كما هو ظاهرها - إنما هو بالنسبة إلى العورة التي هي محل النجاسة المعهودة أو نحوها من الأماكن اليسيرة كالإصبع ونحوها، وفرض المسألة في نجاسة منتشرة أو متعددة بحيث يندرج فيها كما هو محل البحث بعيد عن سياق الأخبار المشار إليها كما لا يخفى على من راجعها.
وكيف كان فمرجع القولين إلى وجوب إزالة النجاسة قبل اجراء ماء الغسل، وأنه لا يجزئ اجراء ماء الغسل المقصود به رفع الحدث لإزالة النجاسة الخبثية.
وهو المشهور في كلام المتأخرين خلافا للشيخ في المبسوط كما سيأتي نقل كلامه، معللين ذلك (أولا) - بأنهما سببان متغايران فيجب تغاير مسببيهما، والأصل عدم التداخل.
و (ثانيا) - بأن الماء القليل ينجس بالملاقاة فإذا ورد على المحل النجس تنجس به فلا يقوى على رفع الحدث فلا بد من طهارة المحل أولا. قال الشيخ علي في شرح القواعد بعد قول المصنف (رحمه الله): " لا يجزئ غسل النجس من البدن عن غسله من الجنابة بل يجب إزالة النجاسة أولا ثم الاغتسال ثانيا " ما صورته: " إنما وجب ذلك لأنهما سببان فوجب تعدد حكمهما، لأن التداخل خلاف الأصل، ولأن ماء الغسل لا بد أن يقع على محل طاهر وإلا لأجزأ الغسل مع بقاء عين النجاسة، ولانفعال القليل وماء الطهارة يشترط أن يكون طاهرا اجماعا " انتهى، وعلى هذا المنوال جرى كلام غيره في هذا المجال.
وفيه أن ما ذكروه - من أن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب وأن الأصل عدم التداخل - لم نقف له على دليل يعتد به بل ظواهر النصوص ترده كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في مسألة تداخل الأغسال، على أنه قد أورد عليه أيضا إنا لا نسلم أن اختلاف السبب يقتضي تعدد المسبب، لأن مقتضى التكليف وجود المسبب عند حصول السبب، أما كونه مغايرا للأمر المسبب عن سبب آخر فتكليف آخر يحتاج إلى دليل