(الثالث) - أن الحيض دليل على سبق البلوغ بخلاف النفاس، فإن الدلالة حصلت بالحمل لأنه أسبق من النفاس فدل على سبق البلوغ على الوضع لستة أشهر فما زاد، قال في الروض: " وهذا الوجه ذكره المصنف في النهاية وتبعه عليه في الذكرى، وفيه نظر لأن دلالة الحمل عليه لا تمنع من دلالة النفاس أيضا لامكان اجتماع دلالات كثيرة. لأن هذه الأمور معرفات شرعية لا علل عقلية فلا يمتنع اجتماعها، كما أن الحيض غالبا لا يوجد إلا بعد سبق البلوغ بغيره " أقول: الظاهر أن كلام شيخنا المشار إليه هنا لا يخلو من نظر، فإن الظاهر من كلام الأصحاب أن المراد بالدلالة على البلوغ، إنما هو باعتبار ترتب الأحكام من العبادات والحدود ونحو ذلك على العلم بالبلوغ، فبأي شئ يعرف ما يترتب عليه هذه الأحكام؟ لا أن المراد الدلالة في الجملة، ولا ريب أنه متى حصل الحمل للمرأة فقد علم به البلوغ وترتب الأحكام المذكورة عليه فلا ثمرة في دلالة النفاس حينئذ ولا أثر لهذه الدلالة لمعلومية البلوغ قبله. وأما ما ذكره - من أن الحيض غالبا لا يوجد إلا مع سبق البلوغ بغيره - ففيه أنا لا نقول بكون الحيض مطلقا دليلا على البلوغ أو على سبق البلوغ وإنما نقول بذلك فيمن جهل سنها، وأما من علم بلوغها التسع فإن الحيض بعده لا أثر له في الدلالة كما أشرنا إليه فيما تقدم في المسألة الخامسة من المقصد الأول من الفصل الثاني في غسل الحيض (1) وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
(الرابع) - أن العدة تنقضي بالحيض دون النفاس، وذلك لأن انقضاء العدة إنما يحصل بوضع الولد وإن لم تر دما بالكلية فلو وضعت من غير نفاس خرجت من العدة فلا دخل للنفاس في انقضائها بخلاف الحيض، نعم هذا الحكم جار على الغالب ووجه التقييد بالغالب أنه ربما اتفق انقضاء العدة بالنفاس نادرا كما في الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء على مجامعة الحيض للحمل ثم رأت بعد الوضع نفاسا عد في الأقراء وانقضت به العدة ولو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء.