وذلك لأن القياس المذكور والاستحسان المزبور، محرم وغير تام عندنا دليلا في المسائل الفقهية، بخلاف ما نحن فيه، فإنه بعد تشريع قاعدة تحريم الضرار، يصح استنباط عدم وجود الأحكام الإلهية التشريعية الضرارية، والعرف يقبح ذلك، ويفهم من مبغوضية الإضرار بالناس بالنسبة إلى الناس، أنه لا معنى لضرب القانون المنتهي إلى الضرار، حتى يقع المكلفون من جانب الوضوء والغسل والوفاء بالعقد في الضرار المالي والبدني، وفي سوء الحال والضراء والشدة والبأساء. وما أشبه هذه المسألة بما في الكتب العقلية في مسألة الخير والشر، كما أشير إليه.
ولا ينبغي أن يقال: بأنه كما يصح ضرب القانون المزبور مع خلق الضرار تكوينا، أو يصح عدم إيصال النفع بطريق غير عادي، كأن تمطر السماء كنوز الحاجات بالنسبة إلى الفقراء، مع الأمر بإيصال الصدقات إليهم، كذلك لا بأس بضرب القانون المزبور، وتحريم إضرار الناس بعضهم لبعض، مع ضربه تعالى قانونا يستتبع وينتهي إلى الضرار. فإن كل ذلك من الخلط بين التكوين والتشريع، وقد تحرر أن في محيط التشريع لا يفهم العرف حسن ذلك، بل يستنبط من مبغوضية الضرار المذكور عدم وجود الحكم المنتهي إلى الضرار.
وهذا هو نتيجة حكومة قاعدة " لا ضرر " على الأدلة الأولية، لأن الحكومة لا معنى لها إلا استفادة محدودية الإطلاقات والعمومات من ابتداء الأمر، لامتناع النسخ الحقيقي، وبما أنها قانون تشريعي بالنسبة إلى إضرار الناس بعضهم لبعض، يكون قانونا جابرا للضرر بعد إيقاعه، حسب التحرير الماضي، فلا تغفل.
وبالجملة: لا معنى لتحكيم " لا ضرر ولا ضرار " على الأدلة الأولية بالمعنى المصطلح عليه، كتحكيم " لا سهو في النافلة " (1) على أدلة الشكوك (2)، بل هنا نتيجة