وقول ابن إدريس لكان القول بما ذهب إليه في غاية القوة والمتانة، لما عرفت، ولكن لما وردت الرواية المعتبرة بالصحة وجب القول بذلك وفاقا لجمهور الأصحاب.
وأما ثانيا: فإن عدم الموافق لا بن إدريس في ما ذهب إليه لا يقدح في قوله إذا اقتضته الأدلة الشرعية، كما عرفت لولا الرواية المذكورة. وأما دعوى كونه خارقا للاجماع فغير ظاهرة، فإن عدم العلم بالموافق له لا يقتضي انعقاد الاجماع على خلافه.
أقول: ويخطر بالبال في معنى رواية مسمع المذكورة وجه تنطبق به على القواعد الذكورة، ويصح به قول ابن إدريس، ويبطل به ما اشتهر بين الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) من الحكم بصحة حج من تعمد الإفاضة قبل الفجر، وبيانه أن السائل سأل عن رجل أفاض من جمع قبل الناس بعد أن وقف معهم. والمتبادر من هذا الوقوف هو الوقوف الشرعي المأمور به، فكأنه وقف بعد الفجر ثم أفاض قبل طلوع الشمس، لأن المبيت بالمشعر ليلا لا يسمى وقوفا، وعبائرهم متفقة على أن الوقوف المأمور به من بعد الفجر كما عرفت، فيجب حمل الخبر عليه البتة. فأجاب (عليه السلام) بأنه إذا أفاض في هذا الوقت جاهلا فلا شئ عليه، لحصول الواجب من الوقوف الشرعي واغتفار ما بقي من الوقت بالجهل، وإن كانت إفاضته جهلا قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. وليس في الرواية تصريح بكون إفاضته عمدا، والقسمان في الخبر إنما هما للجاهل خاصة. وحاصل المعنى بعد فرض الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا: إن كان جاهلا فلا شئ عليه في إفاضته في ذلك الوقت، وإن كانت إفاضته