ذهب المشايخ المتقدم ذكرهم إلى القول بمضمونها. وتأويل الشيخ (رضوان الله عليه) لها بما ذكره بعيد غاية البعد، لكن أصحابنا المتأخرين حيث رأوا الأخبار بهذا الاختلاف الزائد ولم يهتدوا إلى وجه يجمعون به بينها جمدوا على كلام الشيخ المذكور.
والأظهر عندي في اختلاف هذه الأخبار إنما هو الحمل على التقية، على الوجه الذي قدمنا ذكره في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب، من أنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يلقون الاختلاف بين الشيعة في الأحكام لما يرونه من المصلحة التي تقدمت الإشارة إليها في المقدمة المذكورة وإن لم يكن شئ منها مذهبا للعامة.
وأنت خبير بأن روايات التحديد بادراك منى، وكذا روايات التحديد بآخر نهار التروية، وروايات التحديد بيوم التروية، كلها متقاربة يمكن حمل بعضها على بعض، والمخالفة التامة إنما تحصل بين هذه الأخبار والأخبار الأولة الدالة على أن المدار في ذلك على ادراك الموقفين. والجمع بينهما - كما عرفت - مشكل. ويمكن ترجيح الأخبار الأولة بأنها أوفق بقواعد الأخبار والأصحاب، والثانية بأنها أكثر عددا.
وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل إلى ما ذهب إليه الشيخ المفيد وابن بابويه، حيث قال: ولا يخفى أن مقتضى صحيحة جميل تعين العدول يوم التروية، ومقتضى صحيحة محمد بن إسماعيل توقيت متعتها بزوال الشمس يوم التروية. والأولى العمل بذلك كما هو محكي عن علي بن بابويه والمفيد، وقد سبق حكايته. انتهى.
والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال. ولعل الترجيح للقول المشهور. والله العالم المقام الثاني - المشهور بين الأصحاب أن الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وانشاء الاحرام بالحج لضيق الوقت فإنهما تبقيان على احرامهما وتنقلان حجهما إلى الافراد.