وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور، لما عرفت من دلالة صحيحة جميل على ذلك وإن كانت مرسلة، لعدم المعارض لها، فيتجه العمل بها.
وربما بنى الكلام هنا على الاختلاف في معنى الاحرام وما المراد منه وأنه عبارة عن ماذا؟ فذكر العلامة في المختلف - في مسألة تأخير الاحرام عن الميقات - أن الاحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين. ومقتضاه أنه ينعدم بانعدام أحد أجزائه. وحكى الشهيد (رحمه الله) في شرح الإرشاد عن ابن إدريس أنه جعل الاحرام عبارة عن النية والتلبية، ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه. وعن ظاهر المبسوط والجمل أنه جعله أمرا بسيطا وهو النية، قال:
فيتحقق الاخلال بالاحرام بالاخلال بها... إلى أن قال (رحمه الله) في الكتاب المذكور: وقد كنت ذكرت في رسالة أن الاحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك، والتلبية - وهي الرابطة لذلك التوطين - نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة، والأفعال هي المزيلة لذلك الرابط، ويتحقق زواله بالكلية بآخرها أعني التقصير وطواف النساء بالنسبة إلى النسكين، فحينئذ اطلاق الاحرام بالحقيقة ليس إلا على ذلك التوطين، ولكن لما كان موقوفا على التلبية وكان لها مدخل تام في تحققه جاز اطلاقه عليها أيضا، أما وحدها لأنها أظهر ما فيه، تسمية للشئ باسم أشهر أجزائه وشروطه، وأما مع ذلك التوطين النفساني الذي ربما عبر عنه بالنية. وبالجملة فكلام ابن إدريس أمثل هذه الأقوال، لقيام الدليل وهو قول الصادق عليه السلام (1) الصحيح الاسناد: " فإذا فعل شيئا من الثلاثة - يعني: التلبية والاشعار والتقليد - فقد أحرم " فعلى هذا يتحقق نسيان الاحرام بنسيان النية وبنسيان التلبية. انتهى كلامه (زيد مقامه).