القدر المعين بالوصية إنما يتحقق مع إمكان صرفه فيها - وهم محض نشأ من عدم اعطاء التأمل حقه في الأخبار المتعلقة بهذه المسألة، فإن المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشك والانكار هو ما ذكره جل علمائنا الأبرار (رفع الله أقدارهم في دار القرار) من أنه بالوصية ينتقل عن الموصى ولا يعود إلى ورثته، ومع عدم إمكان صرفه في المصرف الموصى به يرجع إلى المصرف في أبواب البر، كما سيأتي تحقيق ذلك قريبا عند ذكر المسألة المشار إليها.
وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدس سره) من قوله: " ولهذا وقع الخلاف في أنه إذا قصر المال الموصى به... إلى آخره " فإن هذا الخلاف بعد دلالة النصوص على التصدق - كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى - مساهلة وجزاف، فإن الخلاف مع عدم الدليل بل قيام الدليل على العدم إنما هو اعتساف وأي اعتساف.
قالوا: ولو أوصى أن يحج عنه، فإن لم يعلم منه إرادة التكرار اقتصر على المرة، وإن علم منه إرادة التكرار حج عنه ما دام شئ من ثلثه.
وعللوا الحكم الأول بحصول الامتثال بالمرة. والثاني بأنه وصية ومنفذها الثلث خاصة مع عدم إجازة الوارث.
والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن محمد بن الحسن الأشعري قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إني سألت أصحابنا عن ما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جوابا وقد اضطررت إلى مسألتك، وأن سعد بن سعد أوصى إلي فأوصى في وصيته: حجوا عني. مبهما ولم يفسر، فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابي في كتابك. فكتب إلي: يحج ما دام له مال يحمله ".