أقول: لا يخفى عليك ما في هذا الخبر والذي قبله من الدلالة الظاهرة على خلاف ما دلت عليه مرسلة حماد المتقدمة دليلا للقول المشهور، فإنه عليه السلام حكم في تلك المرسلة بأن المرء إنما ينسب إلى أبيه واستدل بقوله عز وجل: " أدعوهم لآبائهم (1) وفي هاتين الروايتين لما أورد عليه الرشيد ذلك الموجب لعدم جواز نسبتهم بالنبوة إلى النبي صلى الله عليه وآله احتج عليه السلام في الرواية الأولى بعدم جواز نكاح رسول الله صلى الله عليه وآله كريمته الموجب لكونه ابنه حقيقة كما تضمنته الآية المتقدمة، وفي كلتا الروايتين بآية عيسى وآية المباهلة، ولو كانت البنوة في هذه المواضع إنما هي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ وكيف يسلم الخصم تلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد وغيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله مجازا وباب المجاز واسع، فلولا أن المخالفين عالمون بدعواهم (عليهم السلام) البنوة الحقيقة وأن الناس إنما أرادوا بذلك كونهم أبناء حقيقة لما كان لهذا الاعتراض وجه بالكلية، لما عرفت من أن المجاز لا مشاحة فيه ولا يوجب فخرا ولا يخلد ذكرا، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر تمام الظهور لمن سلمت عين بصيرته من الخلل والفتور، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ومنها - ما رواه العياشي في تفسيره (2) عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قلت له ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد صلى الله عليه وآله هم أهل بيته؟ قال قول الله تبارك وتعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران - وآل محمد - هكذا نزلت (3) على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (4)