ومورد النص المذكور إنما هو اليتيم وأما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم القول بالوجوب في الموضعين، ومنه يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين لا معنى له، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم يتوقف على الدليل ومجرد وجود الخلاف ولا سيما إذا لم يكن عن دليل لا يصلح لأن يكون مستندا، وكذا حكمهم بالاستحباب في غلات اليتيم، ومتى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ وينبغي التنبيه على أمور:
الأول - أن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط الكمال الذي هو عبارة عن البلوغ والعقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول ليترتب عليه بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.
وناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن اثبات ذلك بحسب الدليل لا يخلو من اشكال، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.
أقول: فيه (أولا) أن ظاهر قوله (عليه السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة (وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة) هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ أعم من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو مضى عليها حول إلا أياما قلائل، فإن لفظ (ما مضى) شامل للجميع وأنه لا يتعلق بما كان كذلك زكاة، والظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب وعليه بنى ما ذكروه من الحكم المذكور. وأما قوله في الخبر (ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك) فإن جعل معطوفا على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الادراك على غير معنى البلوغ لينتظم الكلام لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية، بل يكون المعنى أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أولا حتى يدرك الحول