ذهاب ماله بعد أن كان غنيا، وقد أنهى شيخنا الشهيد الثاني جملة منها تزيد على عشرين موضعا. ثم قال وضبطها بعضهم بأن كل ما كان بين العبد وبين الله ولا يعلم إلا منه ولا ضرر فيه على الغير أو ما تعلق به الحد أو التعزير. انتهى.
ولا يخفى أن هذه الوجوه التي ذكرناها وإن أمكن المناقشة في بعضها إلا أنه بالنظر إلى مجموعها ولا سيما الأول والأخير منها فإنه لا يبقى للتوقف فيها مجال.
وأما ما توهمه في المدارك في مقابلة ذلك - من أن الشرط اتصاف المدفوع إليه بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقق الشرط كما في نظائره - فجوابه أن الظاهر أن الفقر المشترط في الآية ليس عبارة عن الفقر بحسب الواقع ونفس الأمر، فإن الأحكام الشرعية لم تبن علي الواقع ونفس الأمر لا في هذا الموضع ولا في غيره للزوم الحرج وتكليف ما لا يطاق إذ ذلك غير ممكن إلا له عز شأنه وإنما جرى التكليف على الظاهر، وحينئذ فالمراد بالفقر في الآية ما يظهر من حال الفقير ويكفي فيه مجرد أخباره ودعواه استنادا إلى ما ذكرنا من الوجوه.
ويؤكد ذلك ما صرحوا به من أنه لو دفع له الزكاة بناء على ظاهر الفقر ثم ظهر يسره وأنه ليس بمستحق للزكاة فإنه لا يجزئ عنه استنادا إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر فوجده موسرا؟ قال لا يجزئ عنه ".
ومن ما يؤيد البناء على الظاهر أيضا والاكتفاء بدعوى الفقر والحاجة ما استفاض في الأخبار من استحباب اعطاء من مد يده للسؤال وعدم رده كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " اعط السائل ولو كان على ظهر فرس " ومن الظاهر أن هذا الاستحباب إنما ترتب على مجرد مد يده للسؤال حتى ولو كان ظاهر حاله يخالف ذلك من كونه على ظهر فرس ومتجملا، وهو مؤذن بتصديقه