(وأما ثانيا) فإنه ليس الفقر إلا عدم ملك مؤنة السنة وهذا لا يستلزم الحاجة إلى الزكاة في الحاضر وإن كان من أهلها باعتبار فقره وإنما يحتاج إليها لاتمام مؤنة السنة، ومع فرض احتياجه إلى الزكاة كما ادعوه فهو لا يصلح مستندا لما ذكروه.
وبالجملة فكلامهم في المقام لما كان غير مبني على خبر ولا دليل شرعي وإنما هو مجرد اعتبارات وتخريجات فالباب في ذلك واسع، وأنت إذا رجعت إلى الأخبار التي ذكرناها لا ترتاب في صحة ما ذكرناه وظهوره منها كما بيناه.
وثانيها - إن ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على اشتراط الأداء عن الغارمين بأن لا يكون ما استدانوه في معصية والأخبار المتقدمة صريحة في ذلك كما عرفت، وبعضها وإن كان مطلقا لكن يجب حمله على مقيدها. وبذلك يظهر لك ما في مناقشة السيد السند في المدارك ومن اقتفاه كالفاضل الخراساني في الذخيرة.
قال في المدارك: واشترط الأصحاب في جواز الدفع إلى الغارم أن لا يكون استدانته في معصية، واستدلوا عليه بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية وهو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا، وبما روي عن الرضا عليه السلام (1) أنه قال: " يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل وإذا كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام " ويمكن المناقشة في الأول بأن إعانة المستدين في المعصية إنما تقبح مع عدم التوبة لا مطلقا، وفي الرواية بالطعن في السند فإنا لم نقف عليها مسندة في شئ من الأصول، ومن ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز اعطائه مع التوبة من سهم الغارمين وهو حسن. انتهى.
أقول: بل الدليل على ما ذكره الأصحاب إنما هو هذه الأخبار الواضحة الدلالة على ذلك ولكنه معذور حيث لم يقف عليها كما يفصح عنه انكاره لوجود هذه الرواية عن الرضا عليه السلام في شئ من الأصول وهي في كتاب الكافي لكنها حيث