وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال نعم. قال فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ما قلت في سيرته: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ولا يقسم بينهم بالسوية وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى، وليس في ذلك شئ موقت موظف، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر ما يحضره منهم.. الحديث ".
ومن الجائز بل هو الأنسب بالمقام والسياق أن المراد بقوله: " ليس في ذلك شئ موقت موظف " إنما هو بالنسبة إلى البسط الذي يدعي الخصم أنه موقت موظف لا يجوز مخالفته كما يدل عليه قوله بعده " وإنما يصنع ذلك بما يرى " من التوفير لبعض على بعض بالمرجحات المتقدمة وتقسيمه على من حضر من صنف واحد أو صنفين أو نحو ذلك.
ولكن الأصحاب في كتب الاستدلال نقلوا من الخبر هذه العبارة المنقولة في كلامهم وهي بحسب الظاهر موهمة لما يدعونه، إلا أن سياق الخبر كما ذكرناه وقرينة المقام ترجح ما اخترناه، ولا أقل من تساوي الاحتمالين فيسقط الاستدلال بالخبر من البين.
وأما حسنة الحلبي فهي وإن أوردها جملة من متأخري المتأخرين في أدلة هذا القول إلا أن فيه أنك قد عرفت أن أصل المسألة التي وقع الخلاف فيها وجعلوها محلا للنزاع إنما هو الفقير والدفع إليه من حيث الفقر دون غيره من الأصناف كما هو المفروض في عباراتهم، ومورد هذه الرواية إنما هو العاملون الساعون في جمع الصدقات.
على أنه لا يخفى أن اجراء هذا الخلاف بالدرهم والأقل والأكثر بالنسبة إلى عمال الصدقات والمؤلفة والغارمين والرقاب ونحوهم من ما لا معنى له بالكلية، لأنه من الظاهر المعلوم أن هؤلاء من ما لا يقوم بحقوقهم واستحقاقهم الأضعاف مضاعفة من ما وقع الخلاف فيه كما لا يخفى على المنصف.