التعصب للمجتهدين جرى قلمه بالتعريض بالأخباريين، وقد عرفت في المقدمة الثانية عشرة من مقدمات الكتاب ما هو الأليق بالعلماء الأنجاب، من سد هذا الباب حذرا من طغيان الأقلام بمثل هذا الخطاب، وانجراره للقدح في العلماء الأطياب، وارتكاب مخالفة السنة في ذلك والكتاب، وقد أخبرني بعض الثقات أنه بعد وقوف المحدث الصالح على كلام الوالد (قدس سرهما) رجع عما هو عليه إلى موافقة الأصحاب، وحينئذ فالظاهر أن ما ذهب إليه ناشئ عن عدم التأمل في المسألة وملاحظة أدلتها.
وأما الفاضلان الآخران فظاهر كلاميها يؤذن بالوقوف على الحسنة المتقدمة لكنهما يدعيان عدم صراحتها في الحكم المذكور. وفيه ما عرفت من كلام الولد (قدس سره) أقول: ومما يستأنس به لدخول الرقبة في غسل الرأس ظاهر موثقة سماعة (1) حيث قال فيها: "... ثم ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله... الحديث ".
ثم إن وجوب الترتيب بين غسل الرأس والبدن مما انعقد عليه اجماعنا واستفاضت به أخبارنا، وربما نقل عن الصدوقين وابن الجنيد العدم، إلا أن كلام الفقيه في صدر الباب فيما نقله عن أبيه في رسالته إليه وإن أشعر بذلك، حيث إنه في بيان الكيفية عطف البدن على الرأس بالواو، إلا أنه في آخر الباب قال فيما نقله عن الرسالة أيضا: " فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك " وهذا الكلام وما قبله مما أسنده إلى رسالة أبيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي، وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك من توهم عدم اعتبار الصدوقين الترتيب هنا لعدم تعرضهما له في بيان الكيفية مع اشتمال ما ذكراه على الواجب والمستحب، ولهذا أن جملة من متأخري المتأخرين إنما نقلوا خلاف الصدوقين وابن الجنيد في نفس البدن.
ومما يدل على وجوب الترتيب هنا من الأخبار حسنة زرارة (2) قال: " قلت كيف