فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله، وإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس " انتهى. وهذه العبارة بعينها نقلها الصدوق في الفقيه عن أبيه في رسالته إليه فقال: وقال أبي (رحمه الله) في رسالته إلي: ولا بأس بتبعيض الغسل ثم ساق الكلام إلى آخر ما نقلناه، وفيه دلالة على ما قدمناه من اعتماده على الكتاب المذكور.
وأما القول الثاني فاستدل عليه الشيخ سليمان البحراني المتقدم ذكره في بعض فوائده - وإليه يرجع في التحقيق ما ذكره في الذخيرة - بأنه ينبغي أن يعلم أن الوضوء هو الرافع للحدث الأصغر لكن في غير صورة مجامعته للجنابة، لأنه لا يكون للأصغر مع الجنابة أثر أصلا لانقهاره معها فلا يتمكن من التأثير، فيسقط حكم الوضوء ما دامت الجنابة باقية بالفعل البتة. فلا يكون للأصغر أثر في ايجاب الوضوء أصلا بالتقريب المتقدم ومن الظاهر البين أنه لا تأثير له في ايجاب الغسل بوجه من الوجوه، وعلى هذا فمتى أكمل الغسل تم السبب التام لرفع الجنابة. وبالجملة فإنه بالنظر إلى ما دامت الجنابة باقية فإنه مقهور بها ومندرج تحتها، ومن المعلوم أنه ما لم يتم الغسل فالجنابة باقية، فلا وجه للقول بما ذهب إليه المرتضى (رضي الله عنه) ومن تبعه، ويؤيده عموم الأخبار الدالة على نفي الوضوء والمنع منه مع غسل الجنابة وتحريمه وعدم مشروعيته (1).
أقول: وبهذا التقرير يظهر ضعف ما ذكره في المعتبر في رد هذا القول - كما سيأتي نقله من أنه يلزم أن لو بقي من الغسل مقدار درهم من الجانب الأيسر ثم تغوط أن يكتفي عن الوضوء بغسل موضع الدرهم، وهو باطل، فإنه - مع كونه مجرد استبعاد لا يجدي في دفع الأحكام الشرعية - مردود بأنه إذا كان حدث الجنابة باقيا مع بقاء هذا المقدار وكذا ما يترتب على الجنابة من الأحكام ولا يرتفع ذلك الحدث ولا يستبيح ما يحرم على الجنب إلا بغسل هذا المقدار فأي استبعاد في ارتفاع الحدث الأصغر به