وإنما قلنا إن مثل ذلك لا يجوز، لأن الله تعالى عاقب من احتال حيلة محظورة عقوبة شديدة، حتى مسخ من فعله قردة وخنازير، فقال تعالى ﴿واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر﴾ (1) القصة كان الله تعالى حرم عليهم صيد السمك يوم السبت فاحتالوا فوضعوا الشباك يوم الجمعة، فدخل السمك يوم السبت، وطرحوا الشبك وأخذوا السمك يوم الأحد، فقال تعالى (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين). (2) وقال صلى الله عليه وآله: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.
فلما نظر محمد الحسن صاحب أبي حنيفة إلى هذا قال لا ينبغي أن يتوصل إلى المباح بالمعاصي، ثم نقض ذلك فقال: لو أن رجلا حضر عند الحاكم وادعى أن فلانة زوجتي وهو يعلم أنه كاذب وشهد له بذلك شاهدان زورا، وهما يعلمان ذلك فحكم الحاكم له بها، حلت له ظاهرا وباطنا.
وكذلك لو أن رجلا تزوج بامرأة جميلة فرغب فيها أجنبي قبل دخول زوجها بها فأتى الأجنبي الحاكم فادعاها زوجة وأن زوجها طلقها قبل الدخول بها وتزوجت بها، وشهد له بذلك شاهدا زور فحكم الحاكم بذلك، نفذ حكمه، وحرمت على الأول ظاهرا وباطنا، وحلت لهذا المحتال ظاهرا وباطنا ونعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى هذا.
فإذا ثبت أن مثل هذا لا يجوز، وإنما يجوز ما يكون حلالا يتوصل به إلى حلال، فالأيمان على ضربين: حيلة تمنع الحنث، وحيلة تمنع الانعقاد.
فالتي تمنع الحنث على ضربين أحدهما الخلع في النكاح وإزالة الملك في الرقيق فإذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فالحيلة في دخولها أن يخالعها فتبين بذلك، ثم تدخل الدار فتنحل اليمين، ثم يعقد النكاح عليها.
وإذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فالحيلة أن يبيعه ثم يدخل الدار