فتحصل: أن النزاع في الصورة الأولى نزاع بارد، ضرورة الحاجة إلى وجود اليقين والشك، والنزاع في الصورة الثانية غير بارد وصحيح، ولا دليل على اعتبار الفعلية بمعنى العلم بالشك واليقين باليقين السابق وهكذا.
نعم، المعذرية والمنجزية بالنسبة إلى دخوله في الصلاة مرهونة بالالتفات، لأن الغفلة من الأعذار العقلية والعقلائية كالنسيان والذهول، وأما بالنسبة إلى الصحة والبطلان فلا، لأنه بعد ما التفت، يتوجه إلى أنه في عين صاحب الشرع جنب وصلى، فعليه الإعادة، وكأنه كان جنبا حقيقة، وهو قد غفل وصلى، فبالنسبة إلى الصلاة والتشريع مثلا أو الصلاة على غير طهر معذور، دون الصحة والإعادة، فإنهما أمر آخر، فلا ينبغي الخلط.
وهكذا في موارد الملاقاة مع النجس الاستصحابي المغفول عنه، فإنه معذور بالنسبة إلى ارتكاب النجس أكلا وشربا، وعذره هو غفلته، لا الشئ الآخر، وإذا التفت بعد ذلك يحكم بنجاسة الملاقيات في ظروف الشك الموجود في خزانة نفسه، كما لو غفل عن النجس الواقعي المعلوم عنده، ثم تبين وزالت غفلته، وعلى هذا تكون شرائط الجريان موجودة.
ولكن حديث الاحتجاج مع الغفلة، أجنبي عن حديث الجريان الواقعي نظرا إلى الآثار، فإن الغفلة عن العلم عذر، فضلا عن الاستصحاب، ولكن بعد ذهول الغفلة لو توجه إلى ملاقاة النجس الكذائي، يحكم بنجاسة ملاقيه مثلا.
وهذا الخلط أوقعهم في المسألة إلى اشتراط الفعلية في جريان الاستصحاب والمجعول الإلهي، فإنه لو كان إجراؤه بيد العبد، وأنه لو لم يكن مجريا له لما كان شئ ثبوتا، كان لما ذكروه وجه، ولكن هو الأصل، أو هي الأمارة التأسيسية على عناوينها الواقعية، فإذا تحققت المصاديق تجري الاستصحابات مغفولا عنها كلها،