فعلية الأحكام كون الحكم بالغا في الكتب المدونة، وكان بيد الإجراء، كما مر تفصيله في تقسيم الأحكام إلى الإنشائية والفعلية (1)، فإذا كانت الأحكام فعلية فلا بد من العذر، قياسا لهذه المسألة بتعجيز العبد وأنه ليس ذلك عذرا، كما أنه ليس الاضطرار بسوء الاختيار عذرا (2).
وأنت خبير: بأن حديث فعلية الأحكام أمر، وحديث تنجزها أمر آخر، ومجرد كونها فعلية غير كاف، وإلا ففي موارد الطرق الناهضة على خلافها يلزم صحة العقوبة، فما هو السبب الوحيد لتنجز الحكم، إما الاحتمال غير المقرون بالمؤمن حتى في مورد العلم الاجمالي، أو الاحتمال قبل الفحص والعلم الاجمالي، فمع الغفلة لا تجوز العقوبة بالضرورة.
وفي المثال المذكور، لا يكون مجرد العجز والاضطرار وعدم الطاقة والجهالة عذرا، فإذا كان بسوء الاختيار، ومن غير باغ ولا عاد، يعد عذرا حتى إذا تعدى إلى طريق أكل لحم الهرة، وصادف ضياع الهرة فوجدت ميتة، لا يكون معذورا بالنسبة إلى أكل الميتة، لأنه بحسب الواقع يكون باغيا وعاديا بالنسبة إلى ارتكاب أكل تلك الميتة، وقد مر وجه فعلية الحكم وانصراف دليل رفع الاضطرار عن العجز الحاصل بسوء الاختيار (3).
فعلى هذا، لو كانت الجهالة بسوء الاختيار، وبلع الحبوب المورثة لها، مع الالتفات إليه واحتماله بالنسبة إلى الأحكام، فلا تعد عذرا، ويكون دليل الرفع منصرفا، لكونه بحكم الأدلة الثانوية، والواقعي الثانوي الموجود مورده الحكم الفعلي حتى في صورة شموله وتقييد الواقع، لأن المولى ربما يضرب أمثال هذه