ويحتمل كون الترك والفعل موافقا لغرض المولى، ويحتمل كونه مخالفا، وهذا بعينه يجري بعد الفحص، لأن كثيرا من الطرق تتخلف عن المولى، فيكون تفقهه موجبا لترك الواجب، وإتيان المبغوض، ولا سيما بعد مراعاة حالنا هذه بالنسبة إلى الطرق المتخلفة إلى الطرق الناهضة، الإخبارية عن مسائل قبل ألف سنة وأكثر، فكيف يدرك العقل لزوم الفحص والتفقه في الدين، مع أن التارك والفاعل قبل الفحص وبعده على حد سواء؟! هذه بالنسبة إلى الطرق.
وأما لو فرضنا لأحد العلم الوجداني بتلك الأحكام، فلنا احتمال تخلف علمه عن الواقع وإن لا يحتمل هو بنفسه، فلا تغفل.
وتنحل بما عرفت من كون أحدهما صاحب الحجة، دون الآخر، كما في الابتلاء بالغريقين. مع أن قياس الطرق المهتم بها سلفا بما في عصرنا، في غير محله. مع أن في الطرق يوجد الإصابة فيها كثيرا.
هذا مع أن مقتضى السياسة الإسلامية فتح باب الاجتهاد، ومنع إجراء البراءة قبل الفحص، ضرورة أن هذه الحوزات العلمية المنتشرة في أوساط البلاد الإسلامية، مرهونة بلزوم الفحص والاجتهاد، وأن الحفاظ على أصول العقائد الحقة في الأجيال والخلوف والنسل القادم، من تبعات تلك الجهود والاجتهادات في الفروع والأحكام، من غير النظر إلى الإصابة واللا إصابة، بعد وضوح أصول الفروع الإسلامية بالسيرة الواضحة في الجملة، وهذا مما لا ينبغي أن يخفى.
كما لا ينبغي أن يخفى: أن سد باب الاحتياط فتح باب الخيرات والبركات، وأن في الاحتياط تعطيل القوى وتضييع الأوقات، وأن الفقيه كل الفقيه من يعرف الاسلام بأنه دين سهل سمح، كما ورد: " بعثت على الشريعة السهلة السمحة " (1)