ومما يؤيد ما أبدعناه قوله تعالى: * (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) * (1).
ثم إنه قد تحرر في محله: أن حديث العقاب بلا بيان غير صحيح (2)، بل الأمر يرجع إلى امتناع صدور الجزاف منه تعالى، أو إلى قبح صدور كل شئ جزافا منه تعالى، فيعد الأول: البراءة العقلية، والثاني: البراءة العقلائية. وبعدما كان الاسلام عقيدة ونظاما ذا مقررات اجتماعية وفردية، إلزامية تحريمية وإيجابية، فالجزاف ممنوع بالنسبة إلى عقابه تعالى، من غير النظر إلى العلم الاجمالي، بل نفس ذلك يوجب عدم كونه غير جزاف، وعند ذلك يدرك العقل سد باب احتمال العقوبة بعد بنائه على الفرار منها بنحو عام وعلى الإطلاق.
وهذا أمر يشترك فيه جميع العقائد والأنظمة الصحيحة والباطلة.
نعم، الجاهل القاصر المركب بأن الاسلام ليس إلا الشهادتين، ولا يكون وراءه شئ، يعد معذورا عقلا كالعجز.
اللهم إلا أن يقال: عذرية الجهل القصوري ليست كعذرية العجز، فإنه يمكن أن يكون من المقررات الإسلامية عدم كون الجهل مطلقا عذرا، لأنه غير عاجز عن الإتيان، لانتهاء الجهل القصوري المركب إلى شئ من الأمور الاختيارية والمقدمات ولو كانت بعيدة، كما يجوز أن لا يكون العجز الاختياري عذرا.
فبالجملة: إطالة الكلام ثانيا وثالثا حول العلم الاجمالي الكبير القابل لأن يقول أحد بعدم منجزيته رأسا، أو بانحلاله، مع أن الدعوى أعم، والتمسك به، أو بأن الاحتمال منجز، للاقتران بالعلم، في غير محله، ضرورة أنه من الواضحات