فمن الأول: الأمثلة المذكورة، كالحمد حين الشك في الإتيان به وهو في السورة مثلا، أو الجهر والاخفات، بأن يكون الجهر مبطلا، وعدمه واجبا غيريا، وكالاستتار بالثوب المتنجس، وكالسلام بعد الفراغ من التشهد الأول فيما لو دار الأمر بين القصر والإتمام.
ومن الثاني: ما لو توجه في أثناء الصلاة مثلا إلى أنه نسي السجدة الواحدة من الصلاة السابقة، أو التفت إلى نسيان سجدتي السهو، وكرر السلام، بل وقضاء التشهد والسجدة في الركعة المتأخرة، باحتمال كونه واجبا نفسيا أو مبطلا، لقصور الأدلة عن تعيين الوظيفة، وهذا أمر كثير الدور في الفقه.
وأما الحق في الصورة الأولى: فهو أن العلم الاجمالي لا يكون منجزا بالنسبة إلى مورده، ضرورة أن الوجوب الغيري لا يستتبع - بما هو هو - عقابا. فإن قلنا بحرمة إبطال المركب المذكور، فيكون العلم الاجمالي مستلزما لترك المبطل، ويكون بيانا على صحة العقوبة على المركب الفاقد، لمعلومية الأمر به تفصيلا، ومشكوكية الاجتزاء بما أتى به، مع عدم دليل على جواز الاجتزاء به.
فالمسألة ليست من قبيل دوران الأمر بين المحذورين، لإمكان المخالفة القطعية والموافقة القطعية حتى في التوصليات، لعدم صحة الأمر الغيري بالنسبة إلى الأجزاء الداخلية، كي يقال عند ترك أصل المركب: " خالف الأمر قطعيا، والنهي قطعيا " فلا معنى لجريان البراءة.
ولا من قبيل الأقل والأكثر، للعلم بالاشتغال، والشك في سقوط الأمر، وتمامية الحجة على صحة العقوبة على الاكتفاء بالأقل أو بالإخفات، فيما إذا كان الأمر دائرا بين وجوبه ووجوب الجهر، فيكون خارجا عن عنوان المسألة، فلا بد من الاحتياط حسب العقل.