وكل ذلك لأن مقصود القائل: ب " أن الاحتياط حسن على كل حال " هو أن العمل الخارجي الواقع احتياطا حسن بالحمل الشائع، وإلا فبالحمل الأولي ليس الاحتياط حسنا بالضرورة. هذا نقاش في صغرى ما اشتهر من درك العقل حسن الاحتياط.
وإليك إفاضة جديدة: وهي أن العقل كما يدرك حسن الاحتياط، يدرك حسن الصبر والصلاة، وحسن الشجاعة والجهاد وهكذا، ولا يعقل أن يكون نسبة الحسن إلى هذه المتباينات نسبة حقيقية، لامتناع انتزاع الواحد - وهو الحسن - عن المختلفات والمتكثرات بما هي مختلفة وكثيرة، ولا شبهة في أن الحسن مفهوم واحد مشترك بينها.
فما هو الحسن ويدرك العقل حسنه أمر واحد شريك بينها، وإنما هو موضوع الحسن، دون الاحتياط والصبر والسخاوة وهكذا، ونسبة الحسن إليها مجاز عقلي وحقيقة عرفية، ولأجله اشتهر حسن شئ واحد وهو العدل، وقبح شئ واحد وهو الظلم، وترجع المحسنات والمقبحات إليهما.
فما اشتهر: " من أن الاحتياط حسن على كل حال " من الأكاذيب أو " أن العقل يدرك حسنه " - إلا في صورة - من الأباطيل البرهانية، فاغتنم.
ثم إن مفهوم الاحتياط في الأفعال المأتي بها احتياطا، ينتزع منها حين الاقتران بقصد معلوم، وأما في التروك فكيف يعقل أن يقع الترك عن احتياط؟! لأنه لا واقعية للعدم والتروك.
وبعبارة أخرى: يوصف الفعل ب " أنه احتياط واحتياطي " ولا يعقل توصيف الترك به، إلا أنه يوصف المنزجر عن المبغوض الاحتمالي مثلا ب " أنه محتاط " ففي حومة العقل الأمر كما تحرر، ولكن في حومة العقلاء الأمر كما حرره القوم.