من كلا الوجهين، فأما من جهة قول الأصحاب فظاهر، إذ لا قائل بذلك صريحا لا قديما ولا حديثا غير مجرد الاحتمال الذي ذكره هؤلاء المشار إليهم وجعلوا المسألة من أجله مشكلة وإن استحسنه بعض واستظهره آخر. وأما دلالة الأخبار فقد عرفت ما فيه من جواز الحمل على العذر عن الوصول إلى الميقات، بعين ما يقال في الخبرين الواردين في الناسي والجاهل وأنهما يحرمان من أدنى الحل أو محلهما، مع أنه لا قائل بالعمل بهما على اطلاقهما بل لا بد من تخصيصهما بالعذر، فكذا في ما نحن فيه.
وبالجملة فالخصم إن سلم دلالة أخبار المواقيت على ما قلناه فلا مندوحة له، أما عن الرجوع إلى ما ذكرنا والموافقة على ما سطرنا، وأما عن القول بجواز الاحرام من أدنى الحل في المقيم والناسي والجاهل وإن لم يكن عن عذر، عملا باطلاق الروايات المذكورة، ولا أراه يقوله، وأما قوله بذلك في المقيم خاصة دون الفردين الآخرين فهو تحكم محض. وإن لم يسلم دلالة أخبار المواقيت على ما ذكرنا من الاختصاص فالبحث معه ثمة، ولا أراه أيضا يتجشمه، إذ لا خلاف في ذلك نصا وفتوى في ما عدا الصورتين المشار إليهما آنفا.
وبما ذكرنا يظهر أن هذا القول ساقط عن درجة الاعتبار مخالف لصحاح الأخبار، وإن أوهمه الخبران المذكوران عند من لم يعط التأمل حقه في المقام، وكفاك أنه مخالف لما عليه كافة العلماء الأعلام قديما وحديثا، وما نقل أنه قول الحلبي فغير ثابت.
ومن الظاهر أن اتفاق الأصحاب - ولا سيما أصحاب الصدر الأول - من ما يؤذن بكون ذلك مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فإن مذهب كل إمام إنما يعلم بنقل شيعته وأتباعه، وأقوال أصحاب الصدر الأول وإن لم تصل إلينا سوى عبارة الشيخ المفيد في المقنعة إلا أن من تقدمنا من الأصحاب الذين وصلت إليهم